يتزامن شهر رمضان هذا العام وشهر مارس / آذار الذي يشهد عديداً من جهود التوعية حول السمنة، وذلك في عالم عامر بالسمينين والسمينات من مختلف الأعمار، وكذلك با لمتنمرين والمتنمرات بهم، في حلقة مفرغة يأمل بعضهم أن ينجح رمضان في كسرها.
علاقتنا بالطعام
فترة الصيام الممتدة من الفجر إلى غروب الشمس طريقة منظمة لإعادة ترتيب علاقة الأفراد بالطعام، وفرصة مواتية لاكتساب عادة صحية قد تؤدي إلى فقدان منتظم للوزن، وهو ما يؤدي إلى تحسين الصحة والعافية. هذا ما يؤكده المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية لجموع الصائمين هذا العام.
خبراء المنظمة يقولون إن الصيام يمكن أن يؤثر إيجاباً في الصحة، بما في ذلك تعزيز الجهاز الهضمي وتحسين كفاءته، إضافة إلى قدرته على المساعدة في ضبط مستويات الدهون والسكر في الدم، بالتالي خفض ضغط الدم والكولسترول وتحسين صحة القلب. لكن تعظيم هذه الآثار يتطلب اقتران الصيام بنظام غذائي صحي وتجنب العادات الغذائية الضارة التي تؤدي إلى سوء التغذية، والسمنة في القلب منها.
اقتران عبارة “سوء التغذية” بكلمة “السمنة” يثير الدهشة لدى بعضهم. اعتقاد خاطئ شائع مفاده بأن سوء التغذية يعني بالضرورة قلة الغذاء وشحّه. كما أن بعضهم يعتقد أن السمنة بالضرورة ناتجة من تناول كميات كبيرة من الطعام فقط. تحدث السمنة عندما يخزن الجسم الدهون الزائدة الضارة بالصحة.
وتنشأ السمنة لأسباب كثيرة، منها اتباع نظام غذائي عالي السعرات الحرارية، وقلة النشاط البدني، والعامل الوراثي، إضافة إلى قائمة من العوامل الصحية الأخرى.
ملف معقّد
لكن ملف السمنة معقّد وليس بهذه البساطة. هناك قائمة من المعتقدات الخاطئة أو شبه الخاطئة المرتبطة بالسمنة، فهل السمنة تنتج من سوء التغذية وعدم ممارسة أي نشاط بدني؟ نعم ولا. فقد تحدث السمنة في هذه الحال، لكنهما ليسا العاملين الوحيدين المسببين لها.
بحسب موقع “أوبيزيتي أكشين” الأميركي قد تكون السمنة وراثية، أو بسبب تناول أدوية معينة، أو ناجمة عن أمراض نادرة. فبعض الأدوية التي تعالج أمراضاً جسدية أو نفسية تؤدي إلى زيادة الوزن.
خطأ شائع آخر مفاده بأن السمنة ليست مرضاً، وأنها نتيجة اختيار الشخص السمين لأسلوب حياة سيئ أو غير صحي. والحقيقة هي أن السمنة مرض معقّد ومزمن، ويجب أن يؤخذ مأخذ الجد شأنه شأن أي مرض آخر، لا سيما وأنها قد تؤدي إلى إصابة الشخص بأمراض ومشكلات صحية أخرى بعضها مميت.
يكفي أن السمنة تزيد احتمال الإصابة بأمراض القلب والسّكري والسكتات القلبية والدماغية وبعض أنواع السرطان، كما تؤثر سلباً على الصحة النفسية، وهو ما يؤدي إلى مشكلات مثل الاكتئاب والشعور بعدم احترام الذات.
بحسب دراسة مستفيضة عن السمنة أجريت عام 2022، ونشرت نتائجها دورية “لانسيت” الطبية قبل أيام، فإن ما يزيد على مليار شخص في العالم يعانون السمنة حالياً، وتضاعفت معدلات السمنة بين البالغين في جميع أنحاء العالم منذ 1990، كما تضاعفت أربع مرات بين الأطفال والمراهقين من سن خمسة إلى 19 عاماً، ليصل عدد من يعانون زيادة الوزن بينهم إلى نحو 390 مليون طفل ومراهق، 160 مليوناً منهم يعانون السمنة، وأغلبهم يعيشون في دول منخفضة ومتوسطة الدخل.
فشل النظام الغذائي
هذه الأرقام والبيانات تعتبرها منظمة الصحة العالمية دليلاً على فشل النظام الغذائي في تقديم وجبات مغذية للأطفال، وفشل الأنظمة الصحية في معالجة السمنة قبل إصابة الأفراد بأمراض ذات صلة بها. وفي كثير من الأحوال يتفاقم هذا الوضع بسبب عدم المساواة. وتتداخل في ذلك عوامل مادية واجتماعية وأساليب التسويق الغذائي التي لا تراعي صحة الأفراد، إضافة إلى ضعف تغطية الرعاية الصحية. بمعنى آخر، نسب ومعدلات السمنة وزيادة الوزن تعني تعرض الأجيال الصغيرة والشابة لبيئات معادية للصحة ومشجعة لزيادة الوزن، أو في الأقل لا تأبه بالسمنة وأضرارها وزيادة الوزن وأخطاره.
أمينة خيري (إندبندنت العر بية)