"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

رحلة في رحاب التجربة الماليزية وفق تجربة مهاتير محمّد: من ظلم الإستعمار حتى "النقد الذاتي"!

نبيه العاكوم
الأحد، 2 يوليو 2023

رحلة في رحاب التجربة الماليزية وفق تجربة مهاتير محمّد: من ظلم الإستعمار حتى "النقد الذاتي"!

ليست مذكرات تقليدية تلك التي كتبها الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزارء ماليزيا على مدى إثنين وعشرين عاماً، بل هي أقرب إلى رحلة في رحاب تلك البلاد في الشرق الأسيوي خلال القرن العشرين، منذ أن كانت مستعمرة بريطانية، مرورًا بإعلان فدراليتها المستقلة عام ١٩٦٣، وصولًا الى انتهاء ولاية مهاتير العام ٢٠٠٣.

لم أجد انتقاداً لاذعاً للإستعمار الأوروبي كذاك الذي قدّمه مهاتير، حيث وصف ما عانت به بلاده من ظلمهم قبل أن تتحرّر. ولم يوفّر مهاتير من نقده اللاذع “غطرسة الولايات المتحدة في العالم”.

ويقول في معرض حديثه عن حقبة الإستعمار: “ساد النظام الاجتماعي نفسه تقريباً في أغلبية أصقاع جنوب شرق آسيا التي استعمرها الأوروبيون: تربع الأوروبيون على القمة، وبعدهم الأوراسيون والصينيون وغيرهم، والشعب الأصلي أُبقي في ذيل القائمة” .

ويقول في تقسيم الولايات ورسم الحدود بين الدول إنّه “تقسيم سياسي محض تعود جذوره إلى تاريخ الاستعمار الأوروبي للمنطقة، ولا يستند بأيّ حال إلى أي فوارق إثنية أصيلة”.

وحتى تستعد ماليزيا للغوص في رحلة بناء الدولة الحديثة والعصرية، وافق شعبها الملايوي بانفصال سنغافورة عنها العام ١٩٦٥ وطلبوا من السنغافوريين الذين يتحدرون من العِرق الصيني، الرحيل بسلام وبكل بساطة.

لمست من مهاتير محمد عصبيتين: عصبية ملايوية وعصبية شرق آسيوية.

العصبيّة الأولى تشكّلت بسبب النزاع العرقي الإثني، غير الوحشي بسبب طبيعة الشعب الملايوي المسالم والرافض للجوء إلى القوة، سواء ضد المحتل أو غيره من الإثنيات، وبالتحديد الصيني والهندي. وقد ترتب عن هذه العصبية تبنيه ل”السياسة الاقتصادية الجديدة” طوال فترة حكمه، والتي أتت على شكل برنامج لرفع المظالم أريد منها تقويم الوضع السيّء للملايويين، السكان الأصليين، وتأمين مستقبلهم الاجتماعي الاقتصادي.

وقد اعترف بمحدودية نجاح هذه السياسة بسبب طبيعة العنصر الملايوي. الملايويون يستمتعون بكونهم “شركاء نائمون” لأنّ ذلك يناسب مزاجهم ونمط عيشهم،حسب تعبيره، بعكس الصيني الناجح والمثابر والذي يسعى للإثراء من خلال عمله.

وصل مهاتير محمد بانتقاده للعرق الذي ينتمي إليه إلى تشبيه موقف أبنائه من الصينيين بموقف العرب من اليهود. يقول “موقفهم هذا، (الملايويون من الصينيين)، يذكرنا بسلوك العرب في فلسطين، فعندما بدأ الصهاينة أولاً بمحاولة إقامة دولة إسرائيل على تراب فلسطين لم يكن اليهود يملكون غير خمسة في المئة من الأراضي، وكان عدد اليهود ضئيلاً بالمثل في فلسطين، لكن فيما تفنّن العرب الفلسطينيون في إدانة المخطط الصهيوني، باعوا أراضيهم لليهود عن طيب نفس. وسواء كانوا وطنيين أو لا، فهم لم يتمكنوا من مقاومة إغراء الأسعار التي عُرضت عليهم”.

أما العصبية الثانية، الشرق آسيوية، فيمكن ملاحظتها من خلال الإعتماد على “النظر شرقاً” كسياسة خارجية تعتمد على علاقات مستقرة وممتازة مع دول الشرق الآسيوي، اليابان وكوريا الجنوبية والصين ودول آسيا، والابتعاد عن الأوروبيين والأميركيين، بعكس ما فعله العرب بسبب الإنبهار بالغرب، ويقول مهاتير محمد: “تطلعت الدول العربية إلى أوروبا وأمريكا وبدا أنها تعتقد أن الأوروبيين متفوقون ويمكنهم صنع المعجزات، ولطالما تمتعت الدول الأوروبية ورجال الأعمال الأوروبيون بأفضلية عند التعامل مع الدول العربية وحتى اليابان لاقت صعوبة في إقناع تلك الدول بأنها تستطيع فعل ما يفعله الأوروبيون وأفضل منه”.

لم أجد في الرئيس مهاتير محمد عصبية إسلامية استثنائية أو لافتة. هو رجل دولة يفتخر بديانته وتاريخها المميز، وقد خصص لمفهوم الوسطية عند الإسلام قسماً مميزًا وكذلك لقضايا المسلمين في العالم، خاصة قضيتا فلسطين و”الحرب على الإرهاب”. وقد شدد على اعتبار أن العودة للمجد يكون بالعودة إلى العلم، لا حصر فهم الإسلام والقرآن بالأداء الآلي لشعائر وشكليات معيّنة للفوز بالنعيم في الآخرة، رغم أهميتها، كما يفعل علماء المسلمين اليوم. مهاتير ركز على تنمية الوازع الأخلاقي للفرد، لا على تشجيع الفرد على تطوير شخصية طيّعة تعاني عقدة دونية وعدم الثقة بالنفس، تخضع لآراء دينية محدودة.

مذكرات مهاتير محمد

التجربة الماليزية، العنوان المناسب لأي باحث لبناني يريد اقتباس تجربة ناجحة للاستفادة منها في لبنان. مهاتير محمد خاض تجربة مميزة كرئيس وزراء لبلد زراعي مهمش وفقير، حوّله إلى بلد صناعي متقدم وفاعل إقليمياً ومتحرر سياسياً واقتصادياً من الهيمنة الغربية وبعيداً عن سياسات وتوصيات صندوق النقد الدولي. لكن ماليزيا وقبل أن يتولى رئاسة حكومتها مهاتير، قامت بتثبيت استقرار البلد اثنيا وعرقياً بقطع سنغافورة عنها، قبل أن تبدأ مرحلة بناء دولة صناعية واقتصادية من خلال حكومات مهاتير التي رفعت متوسط دخل الفرد من ٣٥٠ دولار إلى ٨٠٠٠ دولار. مرحلة نضالية صعبة من خلال تحويل الملايويين، السكان الأصليين، شركاء حقيقيين في اقتصاد بلدهم، وهم كان لهم أقل من ٢ في المئة من حجم الاقتصاد المحلي.

كتاب الألف صفحة لمهاتير محمد هو رحلة إلى ماليزيا، تبدأ من تحريرها من الاستعمار البريطاني، مروراً بخوض مهاتير لغمار السياسة عبر انضمامه لحزب أمنو، وبتجربة رائعة ومميزة في حكومات ركزت على تشجيع الصناعة واعتماد الكفاءة والأمانة ورفع المظالم عن السكان الأصليين من خلال برنامج “السياسة الاقتصادية الجديدة” لتحقيق “رؤية ٢٠٢٠”، وصولًا إلى مرحلة الخصخصة و”ملْيزة الشركات” وبناء “الممر الضخم للوسائط المتعددة” وصناعة تكنولوجيا المعلومات إلى التعليم.

ما لفتني في مذكرات مهاتير محمد أنه على الرغم من الإنجازات التي تحققت في عهده إلا أنه بقي متشائماً حيال مستقبل الملايويين. أنقل ما ختم به: جلّ ما يمكنني قوله هو أنني آسف على فشلي في تغيير الملايويين وتشكيل الملايوي الجديد، وتسليح الشعب الملايوي بالمعرفة والمهارات التي يحتاج إليها لينجح في حياته وينال المكانة التي يستحق في بلده. وإذا كان يبدو أنه لا همّ لي سوى الملايويين، فلأن الأعراق الأخرى، حتى العرق الهندي، قادرة على الاعتناء بنفسها ؛ لقد التقيت بطلاب هنود يكافحون لدراسة الطب في أقاصي العالم، في حين تُحجز أماكن للملايويين في الجامعات المحلية ولا يكلفون أنفسهم عناء التأهل لنيلها. فأي شيء آخر يتوقعون منا تقديمه لهم؟

المقال السابق
صحيفة لبنانية تتهم "حزب الله" بالوقوف وراء "فتنة القرنة السوداء"

نبيه العاكوم

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

إسرائيل "واثقة" من مقتل محمد حيدر وتهدد بإرسال نعيم قاسم "الى الجنة"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية