مسؤول إسرائيلي جديد ينضم إلى نظراء له في انتقاد الدولة الإسرائيلية واعتبار الإجراءات التي تتخذها في الضفة الغربية المحتلة بأنها “نظام فصل عنصري”. اللافت هذه المرة أن التصريحات جاءت على لسان المسؤول السابق عن جهاز “الموساد”، أكبر جهاز استخباراتي إسرائيلي، وكانت الأكثر وضوحا خاصة في ظل الائتلاف الحكومي الحالي الذي يقوده نتنياهو والذي يضم أحزابا يمينية متشددة تدعو لضم الضفة.
خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، قال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” تامير باردو إن إسرائيل تفرض “نظام فصل عنصري” في الضفة الغربية.
جاء حديث باردو في معرض مقابلة معه حول الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، حيث أورد “عندما يتم التعامل مع شعبين على أرض واحدة وفق نظامين قانونيين مختلفين، فهذا نظام فصل عنصري”، في إشارة الى أن الفلسطينيين الذين يوقفهم الجيش أو أجهزة الأمن الإسرائيلية يحالون الى محاكم عسكرية، في حين أن الإسرائيليين سكان المستوطنات التي تعتبرها الأمم المتحدة مخالفة للقانون الدولي، يُحالون أمام القضاء المدني.
وتعدّ تصريحات باردو، رئيس أكبر جهاز استخباراتي في إسرائيل ين العامين 2011 و2016، الانتقاد الأكثر وضوحا من مسؤول إسرائيلي كبير سابق لممارسات حكومته في الضفة الغربية، بعد تصاعد حدّتها في ظل الائتلاف الحكومي الحالي الذي يعد الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية بقيادة بنيامين نتنياهو.
من جهتها، رحبت السلطة الفلسطينية الجمعة 5 أيلول/سبتمبر بتصريحات باردو. واعتبر المستشار السياسي في وزارة الخارجية الفلسطينية أحمد الديك أن مواقف مشابهة باتت تصدر عن “عدد متزايد من المسؤولين الإسرائيليين”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “نأمل في أن يعكس ذلك بداية صحوة في المجتمع الإسرائيلي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني والضغط على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية”.
تمي يز ضد العرب
وتنتقد العديد من المنظمات الحقوقية القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على حرية التنقل في الضفة الغربية المحتلة بما يشمل القدس الشرقية، والتمييز الذي تؤكد أن العرب يتعرضون له في إسرائيل.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، انضمت في نيسان/أبريل 2021 الى عدد من المنظمات الحقوقية الفلسطينية والاسرائيلية بقرارها استخدام “الفصل العنصري” لوصف السياسات التي تمارسها تل أبيب حيال الفلسطينيين والمواطنين العرب في إسرائيل.
وفي العام 2022، اتهمت منظمة العفو الدولية اسرائيل بارتكاب “الفصل العنصري” ضد الفلسطينيين ومعاملتهم على أنهم “مجموعة عرقية أدنى”.
ورفضت إسرائيل على لسان وزير خارجيتها في حينه يائير لبيد التقرير، معتبرة أنه يستشهد بـ”أكاذيب تنشرها منظمات إرهابية”.
!“تشويها للواقع”
وبرز باردو على الساحة السياسية الإسرائيلية في الأشهر الماضية من خلال مواقفه المعارضة لمشروع التعديلات القضائية الذي يدفع به نتانياهو.
وتضاف تصريحاته إلى تعليقات شبيهة أدلى بها مسؤولون ودبلوماسيون إسرائيليون في الآونة الأخيرة، حذّروا فيها من أن الدولة العبرية قد تصبح دولة فصل عنصري في حال واصلت ممارساتها في الضفة الغربية المحتلة.
لكن ما قاله باردو كان الأوضح في معرض انتقاد الإجراءات الإسرائيلية ووسمها بـ”الفصل العنصري”، ما استتبع ردود فعل حادة على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية.
بدوره، اعتبر حزب الليكود اليميني بزعامة نتانياهو، أن تصريحات باردو “معيبة وخاطئة”. وقال الحزب في بيان إن “المستشفيات الإسرائيلية تعالج اليهود والعرب، الإسرائيليين والفلسطينيين، بالطريقة ذاتها. العرب واليهود يدرسون ويعملون معا في إسرائيل”.
وأصدر مسؤولون في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، شاركوا في منتدى الأمن والدفاع عن إسرائيل، بيانا مشتركا قالوا فيه إن تصريحات باردو تشكّل “تشويها للواقع”.
وأضافوا أن المسؤول السابق أقدم على “التشهير بدولة إسرائيل وقواتها الأمنية” عبر مواقف تستند حصرا الى “آراء سياسية شخصية”.
“حقي في التنقل أهم من حرية حركة العرب”
يذكر أنه قبل نحو أسبوعين، أثار وزير الأمن اليميني المتطرف إيتمار بن غفير عاصفة من الجدل، بعد مطالبته بحقوق أكبر لليهود مقارنة بالفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقال بن غفير حينها للقناة 12 الإسرائيلية “حقّي، وكذلك حقّ زوجتي وأولادي، في التنقل على الطرق (في الضفة)، أهم من حرية حركة العرب”.
وأيّد نتانياهو تصريحات الوزير العضو في حكومته، التي تضم شخصيات وأحزاب سياسية من اليمين واليمين المتشدد تؤيد ضم الضفة الغربية بالكامل ومواصلة سياسة الاستيطان في أراضيها.
والفصل العنصري أو الأبارتيد (التطور المنفصل للأعراق باللغة الأفريكانية) نظام كرّسه البيض في قوانين جنوب أفريقيا بين العامين 1948 و1991. حينها كانت الأقلية البيضاء تهيمن على الحياة السياسية حتى أول انتخابات متعددة الأعراق عام 1994 فاز بها نلسون مانديلا الذي تزعم النضال ضد هذا النظام.
وكان مواطنو جنوب أفريقيا يصنّفون منذ الولادة في أربع فئات هي البيض والسود والخلاسيون والهنود، حيث يحتلّ البيض المكانة الأعلى ويتمتعون بامتيازات خاصة، في حين يقبع السود في أسفل السلم الاجتماعي. وكان الجزء الأكبر (87 %) من أراضي جنوب أفريقيا مخصصا للبيض، فيما كان السود يقيمون في أحياء مخصصة لهم وفي محميات عرقية.