كأنّه وقّت “بق البحصة” التي طال مكوثها في حنجرته! ففي ذكرى استشهاد القضاة الأربعة الذين لا يزال ملفهم من دون ملاحقات جديّة وتوقيفات فعليّة ومحاكمة ضروريّة، أخرج رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود الذي يمكث على رأس سلطة جرى تفريغها من قدراتها العملية ما يعتمل في صدره من غضب وأسى، وأطلق صرخته في وجه الجميع: سلطات دستورية و..قضاة يعرف هو، كما القاصي والداني، أنّهم ليسوا سوى صدى لمنظومة سياسية.
أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود أنه “من عمق المعاناة، وفي زمن الصعوبات والتحديات، نحيي ونستذكر من رسم بشهادته وبدمه، الطريق الأسمى والأنقى للوصول الى العدالة. نحيي ذكرى شهدائنا القضاة الأربعة، الرئيس الأول القاضي حسن عثمان، والقضاة عماد شهاب ووليد هرموش وعاصم ابو ضاهر، ونستلهم منهم ارادة في المواجهة والتضحية والعطاء حتى الشهادة، في زمن قل فيه من يواجه، وندر فيه من يقاوم. ولنشهد في ذكراهم على قول الحقيقة الصعبة، حول دولة القانون وحالة القضاء وأوضاع العدالة”.
كلام الرئيس الأول عبود أتى في الذكرى الوطنية لشهداء القضاء المحددة في 8 حزيران من كل عام، وذلك خلال وضعه ظهر اليوم في قصر العدل في صيدا إكليلا من الزهر على النصب التذكاري للقضاة الشهداء، بمشاركة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري خوري، وأعضاء مجلس القضاء الاعلى، ورئيسة هيئة التفتيش القضائي بالانابة القاضي سمر السواح، والرئيس الاول الاستئنافي بالتكليف في الجنوب القاضي ماجد مزيحم، ونقيب المحامين في بيروت الأستاذ ناضر كسبار، وعائلات شهداء القضاء، وقضاة ومحامين ومساعدين قضائيين.
أضاف: “إن دولة القانون والحق والعدالة تتلازم مع قضاء حر ومستقل وفاعل، فأين نحن منها، وكيف السبيل اليها! الجواب واضح وقاطع كاليقين، وخلاصته الآتي: لا قضاء، بلا قانون يضمن استقلاليته، ولا قضاء بلا مجلس أعلى للقضاء مكتمل موحد ومنسجم، ليكون قادرا على تسيير شؤونه وتحمل مسؤولية قراراته، بعيدا عن أي تدخلات أو تأثيرات، فيسأل حينها عن أي خلل في دوره، وعن أي إخلال بموجباته، ولا قضاء بلا تفتيش قضائي مبادر وفاعل، ولا قضاء بلا تشكيلات او انتدابات او الحاقات قضائية مبنية على معايير موضوعية، وليس على محاصصات او ارتهانات او تدخلات، ولا قضاء بلا هيئة عامة لمحكمة التمييز، قادرة على تأمين استمرارية مهامها عبر اتخاذ القرارات الواجبة، وفق قواعد الاجتماع والنصاب المفترضين والمتوافرين، ولا قضاء بلا وصول الى الحقيقة والعدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، كما لا قضاء بلا ملاحقة من يقتضي تجريمه في ملفات الفساد وهدر المال العام واستعادة الأموال، بمعزل عن اي استنسابية، لتطال الملاحقات جميع المرتكبين والفاعلين دون اي تمييز أو حماية، ولا قضاء ايضا بلا تأمين الواجب لقصور العدل، وبلا رواتب ومخصصات عادلة للقضاة ومساعديهم، فتتحقق العدالة لمن يفترض فيهم تحقيق العدالة”.
وشدد في الختام على “أن هذه هي الأهداف والحلول التي توصلنا الى دولة القانون، والتي حاولنا ونحاول تحقيقها ضمن الأحكام القانونية المعمول بها، كما سنسعى دائما الى تحقيقها. ولقد بات من الثابت أنها تستلزم ضرورة اقرار قانون استقلالية السلطة القضائية من قبل السلطة التشريعية، وفقا لاقتراح مجلس القضاء الأعلى بهذا الصدد. كما أنها تفترض منا جميعا، عملا، ومتابعة وصمودا وتضحية ربما، حتى النهاية، بالتضافر مع الجميع، لا سيما مع السلطات الأخرى، ومع المحامين نقابة وأفرادا. فلنسع اليها، على هدى شهدائنا اصحاب الذكرى، متخطين عراقيل، ومصوبين هنات او اخطاء، ومستلهمين ارادة حقيقية في بناء دولة الحق والقانون، وفق مضمون القسم الذي التزمناه”.
كان سبق زيارة قصر العدل في صيدا، وقفة رمزية أمام النصب التذكاري في باحة الخطى الضائعة في قصر العدل – بيروت ووضع اكاليل من الزهر، شارك فيها كل من وزير العدل، ورئيس واعضاء مجلس القضاء الأعلى، ورئيسة هيئة التفتيش القضائي بالانابة، ونقيب المحامين في بيروت، ورئيس رابطة قدامى القضاة، وقضاة ومحامين ومساعدين قضائيين.