الشعب السوري محظوظ حقاً هذه الأيام، فـ«قيادته»، التي تحارب على مختلف الجبهات؛ جبهة الكبتاغون، والوقوف صفاً واحداً مع الأصدقاء الروس في مواجهة التغطرس الأوكراني، والحرب على الإرهاب المتمترس في سوق البندورة في جسر الشغور، ومقارعة الليبرالية الحديثة،.والحصول على درجة شرف في الرياضيات للابن البكر، حافظ، تجد الوقت الكافي لحرب الوردة، فمذ زارت سيدة النظام الأولى قرية الوردة الدمشقية في ريف دمشق، في أيار/مايو الماضي، لم تهدأ الفعاليات التي تحمل اسم «الوردة الدمشقية» . صنبور إعلام النظام، الشحيح في العادة، مفتوح على آخره على سيرة الوردة. المايسترو ميساك باغبودريان يقود رحلة موسيقية في إيطاليا «مستوحاة من الوردة الشامية» ، في أمسية «اختتمت بتقديم أغنيتين، هما «يا زهرة في خيالي» و« نقّيلي أحلى زهرة»، وقُدِّمتا إهداء للسيدة السورية الأولى أسماء الأسد تقديراً لدعمها الدائم للوردة الشامية ومحبيها. المؤرخ الدمشقي سامي مبيض يغادر كل شؤونه التاريخية الجليلة ليلتحق بالقُطر المسافرة إلى جبهة الوردة، إلى المجد، على عجل ليقدم أمسية تتحدث عن الوردة الشامية في الأدب السوري. فما من شأن أجلّ تناوله الأدب، أجلّكم الله.
ما بيد بعض المبدعين السوريين حيلة، فدروس التاريخ تقول إن الطاغية إنْ وَضَعَ حصاناً في البرلمان لا مفرّ من أن يصهل الجميع، ولو قرر أن يستبدل الحصان بأي كائن آخر، لما تغيرت القاعدة.
وحسب وكالة أنباء النظام، فقد بدأ الدكتور مبيض حديثه بـ «عرض تاريخي، والسياق الثقافي للوردة الشامية، متتبعاً أصولها وزراعتها في الأراضي السورية، إلى أن أصبحت مجازاً للحب» . واستَعرضَ ما كُتب عن الوردة الشامية من قبل الأدباء والشعراء السوريين، ومنهم نزار قباني، الذي تناول الوردة عبر قصيدتين الأولى «الوضوء بماء العشق والياسمين»، والثانية في رثاء ابنه توفيق. كما «تحدث عن أثر الوردة الشامية في كتابات الأدباء غير السوريين، ومنهم شكسبير الذي ذكرها على لسان أحد أبطال مسرحياته، عندما شبّه حبيبته بالوردة الشامية» . وأكد مبيض أن الوردة الشامية، و«تحديداً في الشعر العربي المعاصر، كانت رمزاً للجمال الخالد، ومصدر إلهام الكتّاب العرب عبر التاريخ، مبيّناً أهمية ذلك في الحفاظ على التراث الثقافي، إضافة إلى الاستمرارية في إلهام الكتاب لتقديم منجزات أدبية تتغنى بالوردة الشامية ومحبيها» .
آخر الأخبار أن بذار الوردة السورية الفريدة نُثرت على بطاح روما، ونُصب في ربوعها مجسم للوردة يمثّل الحِرَف السورية اليدوية.
ما بيد بعض المبدعين السوريين حيلة، فدروس التاريخ تقول إن الطاغية إنْ وضعَ حصاناً في البرلمان لا مفرّ من أن يصهل الجميع، ولو قرر أن يستبدل الحصان بأي كائن آخر، لما تغيرت القاعدة.
وهنا فإن سيدة النظام الأولى قالت كلمتها، ولا بدّ أن غرفة العمليات الأيديولوجية منعقدة على مدار الساعة لإدارة معركة الوردة. وعلينا أن نتوقع إذاً في المستقبل القريب أدباً وشعراً وسينما وتصويراً ضوئياً ومسرحاً وخلافه.
لكن الشارع لم يقل كلمته، لم يُستَفْتَ في خوض غمار هذه الحرب المستجدة، وهو وحده من ينظر الآن بمرارة وأسى لهذا الهزل. وهو، في سرّه على الأقل، كما يمكن أن نتخيل، لن يكتفي بالقول «إنا نحب الورد، لكنّا نحب القمح أكثر»، فمشروع الوردة هنا ليس مجرد اضطراب في الأولويات، ولا مجرد رومانسية تُصرَف في المكان والزمان غير المناسبين، ولا حتى محاولة خلاص اقتصادي (فتهريبة كبتاغون واحدة كفيلة بما هو أجدى)، إنها بالضبط في جوهر الحرب المضللة؛ قتل وتدمير وتشريد وكبتاغون وتكميم أفواه وخنق حريات، لتأتي الوردة بمثابة تمويه، وما الإلحاح فيه إلا من قبيل الـ «اكذب، ثم اكذب، حتى يصدقك الآخرون» .
لقد كان «بريوش» ماري أنطوانيت أجدى وأنفع، فما تنفع ورود سيدة النظام سوى أن ترشّ على الموت سكّر!
القدس العربي