قبل الانطلاق في رحلة قصيرة إلى عالم الأساطير والديانات القديمة، لنتوقّف قليلاً عند أحدث أخبار قوس قزح، الذي بات الشغل الشاغل لبعض الحكومات حول العالم.
قبل أيام، أعلنت وزارة الداخلية الماليزية عن قرار بفرض عقوبة سجن قد تصل حدّ ثلاث سنوات، على أي مواطن يحوز أو يبيع ساعات “سواتش” المزينة بألوان الطيف.
وكانت الشركة السويسرية الشهيرة قد رفعت دعوى ضدّ الحكومة الماليزية، الشهر الماضي، بعد مصادرة ساعات من متاجرها.
وفي العاصمة الصينية بكين، منعت السلطات مرتادي حفلة أحيتها المغنية التايوانية آ-مي، من إظهار أي صور أو ملابس تحمل ألوان قوس قزح.
وقال بعض رواد الحفلة الأسبوع الماضي، إن عناصر من الشرطة طلبوا منهم تبديل قمصان عليها ألوان قوس قزح، بأخرى سوداء.
وخلال الأسابيع الماضية، انشغل لبنان بقضية مماثلة، بعدما دعا أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، أنصاره إلى مقاطعة بضائع تحمل ألوان قوس قزح.
وكانت دول عربية أخرى شهدت بدورها على مدى العامين الماضيين، إصدار قرارات بمنع ألعاب وملابس ومنتجات عليها ألوان قوس قزح، من بينها قطر والسعودية والجزائر.
منذ السبعينيات، ارتبط قوس قزح بعلم فخر المثليين، المؤلف من ستة ألوان، عوضاً عن ألوان قوس قزح السبع ة المعروفة.
ومع تطوّر التشريعات التي باتت تحظر التمييز بحق الأفراد بناءً على ميولهم الجنسية، وجدت شركات كثيرة الفرصة مناسبة لتبنّي ألوان الطيف، كجزء من حملاتها الدعائية، ما يراه البعض استفزازاً لشريحة من المستهلكين الذين لا يتبنون ذلك الشعار.
ولكن هل يمكن فعلاً منع قوس قزح أو محوه من المساحات العامة؟ فهذه الظاهرة الطبيعية المذهلة، ألهمت البشر لقرون طويلة، وشكلت رمزاً للفرح والحب والبدايات الجديدة، في الكثير من الأديان والأساطير.
لماذا نسميه قوس قزح باللغة العربية؟ وما كانت دلالاته قبل أن يتحوّل إلى محور لحروب ثقافية؟
نتذكّر خلال فترة الحجر خلال وباء كوفيد – 19، كيف انتشرت في العديد من المدن رسومات لقوس قزح على الشرفات والنوافذ، خطتها أنامل الأطفال، للتعبير عن التضامن، والأمل بانتهاء المحنة الصحية.
يرتبط قوس قزح غالباً برمزية الأمل والنجاة، ويعود ذلك في الديانات السماوية إلى رواية ظهوره بعد الطوفان، ونجاة النبي نوح وقومه.
وفي الحضارات القديمة، كانت له دوماً رمزيات ترتبط بالتجدّد، والأمل، والعبور من عالم البشر إلى نعيم الآلهة. • عند العرب القدماء: تعود تسمية هذه الظاهرة الطبيعية باللغة العربية بـ”قوس قزح” إلى إله الطقس عند العرب قبل الإسلام. وتشير المصادر إلى أن قزح، كان من الآلهة التي عبدت في مزدلفة، وكان القوس الملوّن الذي يظهر في السماء بعد المطر، يرمز إليه. وبقي اسمه حاضراً في لغتنا حتى اليوم.
• عند سكان أستراليا الأصليين: • من أجمل القصص القديمة، تلك التي يتناقلها سكان أستراليا الأصليون عن القوس الملوّن في السماء، إذ يعتقدون أنه ثعبان يمنع هطول المطر الملعون الذي يرسله الأعداء.
وفي معتقداتهم، فإن الثعبان الملوّن روح قوية ومهمّة للغاية، خلقت الأرض، ولا يجب إغضابها. فهي تتنقل بين منابع المياه، وقبل الشرب من أي نبع، يجب على البشر استئذانها.
ويعدّ الثعبان الملوّن كما يتخيّله سكان أستراليا الأصليون، من أقدم المعتقدات الأسطورية الحية، وملهماً لفنون ذلك الشعب، وتحاك حوله الكثير من القصص والمرويات، وعثر على رسومات له نحتت في الصخور، يعود بعضها إلى أكثر من 10 آلاف سنة.
وفي الأساطير الصينية القديمة، مخلوق يشبه الثعبان الأسترالي، وهو تنين بألوان الطيف، له رأسان، ويمثل التقاء اليانغ والين، لذلك يستخدم كشعار للزواج.
• رسولة الأوليمب إيريس: • في الأساطير الإغريقية القديمة، كان ينظر إلى قوس قزح كتمثيل للإلهة إيريس، وهي رسولة الآلهة، والخادمة المخلصة للإلهة هيرا على وجه التحديد، وتتولى مهمة تقديم الرحيق لآلهة الأوليمب.
وفي اللغة اليونانية القديمة، فإن كلمة إيريس تعني قوس الألوان، وترسم كشابة مجنّحة، تجرّ قوسها الملوّن خلفها، لتربط بين عالم الآلهة وعالم البشر، خلال رحلاتها السريعة بين العوالم.
• جسر بيفروست: • في الأساطير الإسكندنافية (أو النوردية) عالمان أيضاً، عالم البشر أو الأرض (ميدغارد)، ومملكة الآلهة (أسكارد). قوس قزح، جسر بين هذين العالمين، ويسمى بيفروست، وهي كلمة تعني “الطريق المضيء”، لذلك يعتقد أنه الاسم الأول لمجرة “درب التبانة”.
وبحسب الأقاصيص الشعبية النوردية، يتولى إله النور هيمدال حراسة الجسر. ولكن في معركة راغانروك والتي تمثّل دمار الكون، وفناء كل شيء، يتمكن العمالقة من تجاوز الحراسة، فيعبرون الجسر، ويقتلون الآلهة جميعاً.
وتخيلت حضارات كثيرة قوس قزح كجسر، ذلك ما نجده في الأساطير الأندونيسية مثلاً، إذ يعتقد أن الأرواح تعبره إلى العالم الآخر. وكذلك في الأساطير اليابانية، إذ يعتقد أن قوس قزح جسر من الجنة، وعبره نزل الآلهة الأول ليخلقوا الأرض.
فكرة الجسر ألهمت أقاصيص معاصرة، إذ يعتقد البعض أن الحيوانات عند موتها تعبر جسراً بألوان قوس قزح.
ولكن، صحيح أن القوس رمز محبب في معظم الأساطير، إلا أن شعوباً أخرى ربطت بينه وبين الشرّ والطالع السيء. ومن بينها شعوب أمريكا الوسطى، إذا كانوا يخبئون الأولاد عند ظهوره.
ومن بين الأساطير التي لا تزال شائعة إلى اليوم، أقصوصة بلغارية شهيرة، عن أن العبور تحت قوس قزح يؤدي إلى تغيير جنس الشخص.
(بي بي سي)