تدفع القيادة القطريّة على وسائل الإعلام المتنوّعة التي تقيمها وترعاها مبالغ مالية خياليّة، وتحظى قناة “الجزيرة” ب”حصة الأسد”.
لا عجب في ذلك، فهذه حال جميع الدول التي تسعى إلى أن يكون لها موقع متقدم في التأثير، ولكنّ كل العجب يكمن في هذا التناقض الفظيع بين نهج الإعلام من جهة ونهج المموّل من جهة أخرى، حتى بدا، في الأيّام القليلة الماضية أنّ المموّل لا يشاهد وسائل إعلامه أو على الأقل لا يتأثّر بها إطلاقًا.
كثيرون ممّن يتابعون الإعلام المموّل من قطر وتحديدًا قناة “الجزيرة” يكادون، بفعل تحوّلها إلى أهم جهاز دعائي عند “حركة حماس”، يزنّرون أنفسهم بأحزمة ناسفة، وينتظرون على مفرق الطريق، ليس الصهاينة فحسب بل اليهود أيضًا ومعهم الفرنسيّون والأميركيّون والهولنديون والأرجنتيّون وغيرهم الكثير الكثير، ليفجروا أنفسهم فيهم.
ولكنّ الأحداث المتتالية تصعقك وتتركك تائهًا على قارعة السؤال، عندما تجد أنّ المسؤولين القطريين ينتقلون الى إسرائيل وأن رئيس الموساد يمضي غالبية وقته في الدوحة.
وتبقى هذه التطورات معقولة، إذ إنّه لا بدّ، أحيانًا، من محاورة “الشيطان” في محاولة لإنقاذ “الملائكة”، لكنّ هذا “السبب التخفيفي” سرعان ما يتهاوى عندما تجد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد واقفًا في دبي مصافحًا الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوغ، وهو من كبار الداعمين للقضاء على “حركة حماس” مهما كانت الكلفة المدنيّة في غزة.
هذا ليس انتقادًا للقيادة القطريّة، فنحن لسنا من هواة سياسة “الحرد” في السياسة، خصوصًا في هذا العصر، لأنّ التواصل بين المختلفين لا يعني تواطؤًا بل يعني محاولة لإعمال العقل، ولكنّ كلامنا هذا يتمحور حول “غسل الدماغ” الذي تمارسه أجهزة الإعلام المموّلة من قطر وذهب ببعض العاملين فيها الممسكين ب”مطرقة الأحكام” في وسائل التواصل الإجتماعي، الى حدود تخوين جميع من لا يذهبون مذهبهم ومن يمكن أن يروا الوقائع بعيون أخرى والمجموعة من قادة عرب والأوروبيّين والأميركيّين ممّن يتواصلون مع إسرائي ل.
لن تتغيّر قطر، فهي منذ قررت لعب دور كبير في الشرق الأوسط والعالم، أخذت على نفسها أن تنوّع أدواتها، بحيث تكون لها “رجل بالبور” و”رجل بالفلاحة”. ولا يمكن القول، حتى تاريخه، أنّها لا تبدع في ذلك، بحيث تحوّلت الى حاجة لجميع الباحثين عن صفقات تُنزلهم عن شجرة الشعارات الكبرى التي يطلقونها.
ولكن، ليعذرنا الإعلام القطري، فهو بتخوينه كل المختلفين عنه “أعور”، وهو بتحشيده حتى التطرّف “منحرف”، وهو بتدنيسه كل ما هو غير إسلامي “مرعب”، لأنّ القاعدة الثابتة، في تبرير غياب الموضوعيّة، تقول:” قل لي من يموّلك..أقل لك من أنت”!