قرارات السنة الجديدة.. خيبات جديّة تضاف إلى سنين عمرنا
مرّة أخرى، ومع حلول العام ٢٠٢٥، يتعهّد كثيرون بالتزامات، كالإقلاع عن التدخين أو بدء نظام غذائي قاسٍ أو معاودة مزاولة الرياضة ، أو تغيير العمل أو حتى تغيير نمط الحياة بشكل عام. لكن يا للأسف، من المرجّح جدًا أن يفشل هؤلاء الأشخاص بعد بضعة أيام أو أسابيع أو شهور وسيضطرون إضافة إلى خيبة آمالهم، تحمّل أسئلة الآخرين المزعجة: “ألم تقل إنك ستستقيل؟ هل أنت من أولئك الذين لم يتمكنوا من الحفاظ على قراراتهم الجيّدة؟…”
وفقًا للإحصاءات، يفشل ٨٥٪ من الأشخاص، في تنفيذ قراراتهم، فكيف بالإمكان تفسير هذه الإخفاقات؟ وهل من طريقة للتغلّب عليها؟
غالبًا ما يقدّم وعد النفس المليء بالتفاؤل، بعضًا من الرضا للذات، إذ يعتبر الشخص بـأنه كافأ نفسه حتّى قبل القيام بأي جهد، فعندما يقول مثلًا، غدًا سأترك التدخين، ينتابه شعور بالسعادة حتى قبل القيام بأي جهد أو الشعور بالحرمان، وينتج هذا الحبور عن ثقة بوضع قراره حيّز التنفيذ، وبذلك يكون قد اقترض السعادة الوهميّة من المستقبل، ليعود في اليوم التالي إلى نقطة الصفر، لأن القرارات تبقى من غير جدوى طالما لم تترافق مع قوة الإرادة وحسن المثابرة.
قوة العادة
من المعروف إن العادة هي الشيء الوحيد الذي يقف بين الفرد وما يريد تحقيقه في الحياة، وان تغييرها هي من أصعب المعارك التي يمكن أن يخوضها على الإطلاق، وقد عرّفها علم الاجتماع بأنها سلوك سبق للإنسان أن كرّره لآلاف المرات. من هنا فإن التخلّص منها هو أمر في غاية الصعوبة.
“كل حياتنا ليست سوى كومة من العادات العملية والعاطفية والفكرية منظمة بشكل منهجي من أجل سرائنا وضرائنا، وتحملنا بشكل لا يقاوم نحو مصيرنا، أيا كان هذا الأخير.” وليام جيمس
رحلة اتخاذ القرار
ركز باحثون في جامعة زيورخ السويسرية اهتمامهم على بحث الآلية التي يعتمدها دماغ الإنسان في رحلته نحو اتخاذ قرار ما، فوجدوا أن عملية اتخاذ القرار سواء البسيط مثل اختيار وجبة طعام، أو الحاسم ذو الطابع المهني، تمر بمسارات مختلفة بين أكثر من منطقة من المخ، لكنها تبدأ من “قشرة الفص الجبهي”، التي تقع مباشرة تحت الجبين، وتنتهي عند القشرة الجدارية فوق الأذنين.
ووجد هؤلاء الباحثون أن قوة الإشارات المتبادلة بين هذين الطرفين يمكن أن تدل على قوة الشخصية، إن كانت مترددة في اتخاذ القرار أم حاسمة في مثل تلك المواقف. فكلما اشتدت كثافة تدفق معلومات المقارنة بين العديد من الاختيارات بين المركزين اللذين رصدتهما الدراسة في دماغ الإنسان، عَكَس ذلك قوة شخصية الإنسان وحسمه في اتخاذ القرار، وكلما قلت كثافة تدفق المعلومات عكس ذلك ضعف شخصية الفرد وعدم تمكنه من اتخاذ القرار بشكل سريع، وهو ما يصفه علماء النفس بـ”الشخصية المترددة”.
التعلّم
وربط عالم النفس الأمريكي والتر ميشيل في جامعة ستانفورد في دراسة أجراها العام ١٩٦٠ أهمية اتخاذ القرارات بالتعليم لما له من قدرة تأثيرية على الشخص البالغ في المستقبل على تحقيق أهدافه، ويشرح قائلاً: “يتطوّر دماغنا طوال حياتنا”. لكنها تكون مرنة بشكل خاص خلال مرحلة الطفولة، وتصبح أقل مرونة مع تقدّم العمر، ويرى أنّ التعليم يلعب دورًا أساسيًا، إذ مع فترة البلوغ وتحديدًا حتى سن الخامسة والعشرين، تتيح دوائر الاستسلام، للمرء تحقيق أهدافه بسهولة أكبر.
ولكن كيف يمكن التغلّب على الإخفاقات في اتخاذ القرارات؟
نصح علماء الاجتماع قبل اتخاذ أي قرار مؤثر على مستقبل المرء الأخذ بعين الاعتبار الأمور الآتية:
عدم الاندفاع والاعتماد فقط على العاطفة.
الابتعاد عن اتخاذ القرارات في حالة غضب مثلًا، إذ غالبًا ما يكون ذلك القرار الأسوأ.
الإلتزام بشكل علني بأي قرار يتم اتخاذه، فقد تمكّن الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما من الإقلاع عن التدخين بعد أن التزم بذلك علنًا، وذلك خوفًا من تعريض صورته الإعلامية للخطر”.
وضع حد زمني وذلك تجنّبًا لأي مماطلة.
الحرص على أن تكون البيئة المحيطة بالفرد منظمة وخالية من أي شيء قد يشوش تفكيرك ويفقدك التركيز، كأن تتخذ قراًرا مصيريًا مثلًا وأنت تشاهد مباراة كرة قدم أو تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
٠ استخدام ورقة وقلم أو أي تطبيق من أجل ترتيب الأفكار والربط بينها فمن شأن ذلك أن يساعد على رؤية الصورة كاملة أو حتى الوصول لأفكار جديدة، كما أنه سيصفي الذهن ويتيح رؤية الأمور من زوايا مختلفة.
