في لبنان ضجّة كبيرة تحت عنوان: تآمر الإتحاد الأوروبي على بلاد الأرز وشعبها!
سبب الضجة تفسير أعطاه النائب عن “الجبهة الوطنية” تييري مارياني لقرار أصدره البرلمان الأوروبي الذي انعقد في مقره مدينة ستراسبروغ الفرنسيّة، في الثاني عشر من تموز/ يوليو الجاري، وتضمّن فقرة خاصة باللاجئين السوريّين في لبنان.
وفق مارياني الذي سارع كثيرون في لبنان الى تبنّي تفسيره للقرار الأوروبي، من دون تدقيق بالنص وب”ميول” النائب الفرنسي الداعمة ل”محور الممانعة”، فإنّ الأغلبية البرلمانية في أوروبا تتآمر على لبنان من خلال إرادة إبقاء اللاجئين السوريّين فيه.
ووفق معتنقي تفسير مارياني، فإنّ البرلمان الأوروبي، بقراره، يريد توطين اللاجئين السوريّين في لبنان ممّا يؤدّي الى “الإستبدال العظيم” في لبنان.
و”الإستبدال العظيم” هو من أدبيات اليمين المتطرف الذي يستهدف المهاجرين، ويتّهمهم بأنّهم يهدفون إلى أن يكونوا البديل عن الشعب الفرنسي الأصيل، ديموغرافيًّا، ثقافيًّا، عرقيًّا ودينيًّا.
وسارع كثيرون في لبنان، بعضهم عن حسن نيّة وبعضهم الآخر عن سوء نيّته، إلى رفع لواء المؤامرة الأوروبية على لبنان، الأمر الذي أجاز، مثلًا لمفتي الطائفة الشيعية الشيخ أحمد قبلان، وهو في القاموس السياسي اللبناني مجرّد صدى ل”الثنائي الشيعي” إلى اتهام أوروبا بأنّها ” نازية وفاشية وطاغية، وذات استبداد لا نهاية له”.
ولكن هل بنى هؤلاء مواقفهم النارية على معطيات واقعيّة، فعلًا؟
لا!
إنّ نص القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي، وهو بمثابة توصيات يرفعها هذا الجهاز التشريعي الى المفوضية الأوروبية، أي السلطة التنفيذيّة في “الإتحاد الأوروبي”، يوازن بين مسألتين: أولاهما، عدم إرسال اللاجئين السوريين قسرًا الى بلادهم، في ضوء تقارير موثوقة تفيد بأنّ هذا الإبعاد يستهدف عددًا من المعارضين السوريّين للنظام، وثانيهما، وجوب أن تنكب المفوضية الأوروبية بالإشتراك مع الأمم المتحدة والسلطات اللبنانية “على توفير حل سلمي وكريم للعودة الطوعية والمستدامة إلى وطنهم في سوريا”.
وهذا يعني أنّ قرار البرلمان الأوروبي لم يدعُ، لا مباشرة ولا مواربة، الى توطين اللاجئين السوريّين في لبنان، بل هو من موقعه كأكبر مموّل، يطالب باحترام معايير حماية اللاجئين، حتى التوصّل الى حلّ نهائي لمشكلتهم.
وخلافًا لحملات التحريض، فإنّ البرلمان الأوروبي لم يهاحم العنصرية لدى الشعب اللبناني، بل هو، بعد تنوي هه باللبنانيّين الذين يستضيفون اللاجئين السوريّين استهدف الأحزاب السياسية والوزراء الذين، ومن أجل تحقيق أهداف آنية، يصعّدون في خطابات الكراهيّة.
وقد كان لافتًا للإنتباه أنّ قرار البرلمان الأوروبي وازن بين حاجة اللاجئين السوريّين والشعب اللبناني للدعم المادي، فلم يقدّم طرفًا على آخر.
ووفق مصدر دبلوماسي أوروبي، فإنّ على السلطات اللبنانية أن تستوعب أربعة معايير في موقف البرلمان الأوروبي من موضوع اللاجئين:
أولًا، احترام الشعب اللبناني وتوفير ما يحتاج إليه من مساعدات بسبب كلفة استضافة اللاجئين، في مقابل حث السياسيين اللبنانيين على تغيير أدبياتهم العنصرية والتمييزية والتحقيرية تجاه اللاجئين. والمعايير المطلوبة من لبنان هي المعايير التي يطلبها الإتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء فيه، ولذلك هو يتواجه لأسباب مماثلة مع بولونيا والمجر، ويدخل في صراعات مع السلطات القضائية في الدول الأعضاء، بسبب قرارات لا تراعي المعايير الأوروبية.
ثانيا، إنّ لبنان مسؤول جزئيًّا عن أزمة اللاجئين السوريين التي يعاني منها، فهو لا يمكن، مهما حاول إغراق السمكة في الماء، أن يتجاوز الدور الأساسي الذي لعبه “حزب الله” الى جانب الحرس الثوري الإيراني والنظام السوري في قمع الشعب السور ي والتسبب بنزوح 7 ملايين سوري داخل البلاد وهروب 6 ملايين سوري الى دول الجوار.
ثالثاً، إن الإتحاد الأوروبي لا يقف دون عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين، وهو لا يستهدف بمواقفه الموالين للنظام الذين يعودون الى بلادهم، إنّما يستغرب إصرار السلطات اللبنانية على التركيز على المعارضين للنظام، بهدف تسليمه إياهم، أو تطويعهم لمصلحته.
رابعًا، إن الاتحاد الاوربي لن يوافق على الخطة اللبنانية الخاصة بإعادة اللاجئين السوريّين إلى بلادهم، طالما أنّ ركيزتها هي الطلب منه ومن الجهات المانحة الأخرى إرسال الأموال المرصودة للاجئين الى النظام السوري والمساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية. إنّ هذا الرفع غير المباشر للعقوبات عن النظام السوري، بصفته شرطًا لا بدّ منه للعودة، لن يحصل مطلقًا، إذا بقي النظام السوري على رفضه تطبيق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يفرض إدخال تعديلات حذرية على بنية النظام وعلى طبيعة الحكم فيه وعلى طريقة عمل الأجهزة الأمنية.
وعليه، فإن الإتحاد الأوروبي، بصفته أحد أبرز الممولين، لا يطالب لا بإبقاء النازحين ولا بتوطينهم، إنما باحترامهم، أمنيًّا ومعنويًّا، في انتظار التوصّل إلى الحل الذي يطالب به لتوفير عودة هؤلاء النهائية الى دولتهم.
سبب الضحة
وفي مطلق الأحوال، فإنّ قرار البرلمان الأوروبي لجهة اللاجئين السوريّين ليس جديدًا بتوجهاته، بل هو يستمر في اعتماد السياسة التي رسمها، منذ استفحال هذه الأزمة، فلماذا هذه الضجّة اليوم؟
وفق المصدر الدبلوماسي الأوروبي نفسه، إنّ الجديد في قرار البرلمان الأوروبي يتمثّل في خروج الأكثرية الأوروبية من تعميم المسؤوليات عن مآسي لبنان الى التخصيص، فهذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها تسمية الأمور بأسمائها، بحيث جرى تسليط الضوء على الأدوار غير البنّاءة التي يلعبها “حزب الله” تحديدًا على كل المستويات، بحيث يبرز تأثيره السلبي على كل الإستحقاقات بدءًا بتعطيل الإنتخابات النيابية ونسف الإنتخابات البلدية وتعطيل التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت والوقوف وراء سياسة الإفلات من العقاب في لبنان، وصولًا الى أدواره ضد الشعب السوري وضد اليونيفيل في جنوب لبنان وحماية المجرمين والفساد.
وقد ضمّ البرلمان الأوروبي إلى “حزب الله” في الأدوار غير البنّاءة حلفاءه الظرفيين او الدائمين، مثل “حركة أمل” و”التيّار الوطني الحر” وصولًا الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إذ جرى تسليط الأضواء على التحقيق في ملف تبييض الأموال المنسوب إليه، من قبل المدعي العام في موناكو.
وتخشى الأطراف المذكورة في قرار البرلمان الأوروبي من خطوة مقبلة، بحيث تستهدفها العقوبات الأوروبية التي سبق أن جرى إقرارها، في وقت قد ينتقل فيه “حزب الله” بجناحيه العسكري والسياسي إلى قائمة المنظمات الإرهابية، إذ إنّ الأدوار السيّئة المنسوبة الى “حزب الله” قد تعين دول الإتحاد على كسر “مقاومة الأقلية” التي لا تزال ترفض هذا الإجراء.
ولهذا، فإنّ إحداث ضجّة حول ملف اللاجئين السوريين يهدف الى التغطية على “حزب الله” وحلفائه، من خلال دعاية تستعدي أكثر تجمع إقليمي صديق للبنان!