الجديد في مضامين الحراك الأخير تمثل أولاً في اقتران المطالب المعيشية بتركيز على حل سياسي جذري قوامه القرار الأممي رقم 2254، وعودة هتاف انتفاضة 2011 القائل بأن «سوريا للشعب وليست لبيت الأسد» والتشديد على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
على الرغم من أنّها بقيت هادئة نسبياً خلال السنوات العشر الأولى التي أعقبت انطلاق الانتفاضة الشعبية السورية في آذار/ مارس 2011، فإن محافظة السويداء جنوب سوريا تشهد منذ سنتين حراك احتجاجات شعبية متنوعة الأشكال، تنطوي على الاعتصام في الساحات العامة أو التظاهر أمام مبنى المحافظة كما لا تغيب عنها مستويات متباينة من الإضرابات.
ففي كانون الأول/ ديسمبر 2022 عمت المحافظة مظاهرات احتجاج على تدني الظروف المعيشية وانحطاط الخدمات العامة في قطاعات حيوية مثل الصحة والكهرباء والمياه والطاقة والوقود والنقل، فضلاً عن ندرة المواد الغذائية الرئيسية ومعدلات الغلاء الفاحشة. ويومذاك استخدمت قوات النظام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين أمام مبنى المحافظة وقيا دة الشرطة، مما أسفر عن مقتل مواطن وجرح آخرين، خاصة حين تردد في أوساط المتظاهرين هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام».
وعلى امتداد الأيام الخمسة الأخيرة شهدت مدينة السويداء حراكاً جديداً استعاد مضامين الاحتجاجات السابقة حول الأوضاع المعيشية والاقتصادية، التي تفاقمت أكثر فأكثر بعد قرار رئيس النظام السوري زيادة رواتب العاملين في القطاع العام بنسبة 100٪ وفي الآن ذاته رفع الدعم كلياً عن البنزين وجزئياً عن المازوت، مما أوصل الليرة السورية إلى خسارة 99٪ من قيمتها وتسبب في موجات غلاء هائلة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والمحروقات.
لكن الجديد في مضامين الحراك الأخير تمثل أولاً في اقتران المطالب المعيشية بتركيز على حل سياسي جذري قوامه القرار الأممي رقم 2254، وعودة هتاف انتفاضة 2011 القائل بأن «سوريا للشعب وليست لبيت الأسد» والتشديد على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. وأما الجديد على صعيد أشكال الاحتجاج فقد شهد إدخال صيغة العصيان المدني، فتوقف العمل في الدوائر الحكومية وتعطلت الدراسة وتغيب العديد من الموظفين عن أعمالهم.
وقد يكون البيان الذي صدر عن «الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين» في عداد الجديد الذي سجّل مؤشراً عالي الدلالات، لأن النص لم يكتف بتأييد حراك الاحتجاج وأشكاله المختلفة، بل استخدم لغة نقد لاذعة وصريحة ضد السلطة. وقال البيان: «أصبح أبناؤنا أذلاء في الخارج بسبب ما يحصل في الداخل، عائلات تموت غرقاً أو في البراري بحثاً عن لقمة عيش، وفي سوابق ذلّ لم يعرفها السوري عبر التاريخ» وأضاف: «من حق الناس أن تصرخ وتستغيث، ومن العيب أن نرى هذا التدمير ونبقى صامتين، وليكن في وجه من يستلم موقعاً قيادياً بعض الحياء والخجل حين العجز والتقصير».
ورغم أن أصداء احتجاجات السويداء وصلت إلى محافظة درعا المجاورة، فشهدت مظاهر مختلفة من الاحتجاج في بلدات الحراك وإنخل وبصرى الشام ونوى والكرك الشرقي، فقد يكون من المبكر انتظار توسع الاحتجاجات إلى محافظات أخرى على نحو يعيد في قليل أو كثير تكرار سيناريو انتفاضة 2011. لكن ما يجري اليوم في المحافظتين يقرع جرس إنذار نوعياً وفارقاً تجاه نظام الأسد، كما ينقل السخط الشعبي العريض من حال الجمر تحت الرماد إلى احتمال اندلاع النيران، في بلد تكفلت سياسات النظام الإجرامية بتحويل غالبية مقوماته الكيانية إلى هشيم.