مع صدور مرسوم تشكيل حكومة نواف سلام، يكون الزمن قد رمى”حزب الله” في زاوية غير معهودة منذ قرر الدخول الى العمل الحكومي في العام 2005، في ضوء انسحاب النظام السوري في لبنان.
سابقا، لم يكن “حزب الله” وحيدا كما هي عليه حاله اليوم. كان لديه حلفاء “سريّون” في خارج الحكومة وحلفاء علنيون داخلها. كان ينسق في داخلها مع القوى الحليفة لينسفها ممهدا بذبلك الطريق أمام الحلفاء “السريين” لدخولها.
عندما قاد “حزب الله” غزوة السابع من أيار العسكرية في العام 2008، ضد مكونات الحكومة بعدما كان قد شل البلاد بالتفاهم مع حلفائه، تطلع الى “تفاهم الدوحة” حيث حصل على حق الفيتو الحكومي. ومنذ ذاك التاريخ، كان الحزب يطيح برؤساء مكلفين وبحكومات ويمسك بالقرار الوطني، ويلعب بعلاقات لبنان ويقدراته كما يشتهي. في بعض الأحيان، ومن أجل المحافظة على مكتسباته، من خلال حلفائه، كان يعطل الحكومة أشهرًا طويلة من أجل أن يحقق لجبران باسيل، مثلا ما يريده.
اليوم تغيّرت الأحوال، ترك “حزب الله” ناصية التفاوض الحكومي لل” أخ الأكبر” نبيه بري. وعندما كان بري يتشدد كان “حزب الله” يدعوه سرًا الى التليين. لم يكترث لأحد من حلفائه الذين بقوا خارج الحكومة. لم يهتم بأمر “التيار الوطني الحر” ولا بأمر “تيار المردة” ولا بأمر سائر “سنته” ومسيحييه. ترك الجميع وسار في الحكومة، وراء نبيه بري، مقدمًا أسماء وزراء لا يمكن أن يرفضهم نواف سلام الآتي الى رئاسة الحكومة رغما عنه، وبقي فيها رغما عنه.
في الحكومة الجديدة، لا يوجد حلفاء فعليون ل”حزب الله”. الجميع يغردون في رحاب بعيدة.
وكم تشبه وضعيته في هذه الحكومة وضعيته في المرحلة الأخيرة من الحرب. تركه الجميع، بعدما بانت علامات الهزيمة العسكرية عليه. وقف الجميع في وجهه. نهروا سلوكه الحربي. لم يبق معه إلّا برّي ولكن على قاعدة “المفاوض” الذي سيمرر “استسلام” حزب الله، بهدوء، في اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعطى إسرائيل حق مراقبة حسن تنفيذ الاتفاق، سواء مباشرة أو عبر اللجنة المشرفة على الإتف اق.
وزاد طينه بلة مع سقوط النظام السوري ووصول “هيئة تحرير الشام” التي طالما حاربها في سوريا، الى السلطة.
حاول أن يجس نبض الرئيسين جوزف عون ونواف سلام، فأطلق العنان ل “زعران الموتوسيكلات” على الطرق، في عملية مسّت بالسلم الأهلي. إنقلب هذا العمل ضده. صرخ في وجهه الشيعة قبل الآخرين. صمت لوهلة ثم تبرّأ ممّن تجندوا من أجله..زعرانا!
الآن، وعلى وقع القصف الكلامي للحسناء الأميركية الصاخبة مورغان أورتيغاس، تشكلت الحكومة. هو يعرف أنه لن يكون فيها رأس حربة. ترك الجميع وراءه ومشى، فهمومه في مكان آخر. همومه في عشرات آلاف الجرحى الذين تركتهم الحرب، وآلاف الشهداء، وعشرات آلاف الوحدات السكنية المهدمة، وقرارات دولية، ومجتمعات عربية ودولية تناصبه العداء، وحدود معادية، سواء في البحر أو الشمال أو الشرق أو الجنوب، وفي إنجاح تشييع لأمينين عامين له قضيا بفارق أيام قليلة، في خرق استخباراتي فظيع!
لن يقول أحد من أركان السلطة الجديدة إنّه يساهم في تكريس هزيمة حزب الله بمعادلات الحكومة، ولكن الجميع يدركون أنّ الحزب سلّم أمره لأحكام القدر، بعدما كان يمسك بقدر الجميع!