"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

قلّ لي بماذا تحلم أقل لك من أنت وما هو داؤك و...دواؤك!

كريستين نمر
الأربعاء، 31 مايو 2023

يقول عالم النفس والباحث كيلي بولكيلي Kelly Bulkeley: “أخبرني مائة حلم من أحلامك، سأقول لك من أنت”. قد يكون ما يقوله مبالغ به بعض الشيء، إلا أنه جاء بعد دراسة قام بها على سيّدة أطلق عليها اسم “بيفرلي”، بحيث دأبت في منتصف الثمانينيات، على تسجيل أحلامها يوميًا، التي بلغت أكثر من ٦٠٠٠ حلم.

واستنتج كيلي بولكيلي من خلال دراسته ل ٩٤٠ منها، بين الأعوام ١٩٨٦ و١٩٩٦ و٢٠٠٦ و٢٠١٦، ٢٦ خاصية نفسية للحالمة، تتعلّق بمزاجها وعالمها العاطفي وتحيّزاتها وعلاقاتها ومخاوفها وموقفها من المال ومن صحتها واهتماماتها الثقافية والروحية، ويقول الطبيب النفسي: “لقد جرى تأكيد حقيقة ٢٣ من هذه الأحلام”.

lehrerin 1225588032 1185

التكامل بين الواقع والحلم

في الواقع، يدافع العديد من الباحثين عن فكرة التكامل بين الأحلام وأحلام اليقظة أو ما يسمّى بالإنكليزية (waking-dreaming continuity) بحيث رأوا أنّ الأحلام غالبًا ما ترتبط باهتمامات وتفضيلات الحالمين، بالإضافة إلى هموم وأنشطة الحياة اليومية. ويؤكّد الألماني مايكل شريدل Michael Schredlمن المعهد المركزي للصحة العقلية في مانهايم: أن متخصصي الأحلام رسّخوا هذه النظرية، من خلال اكتشافهم، على سبيل المثال أنّ أكثر من متوسط أحلام عشاق الموسيقى والملحنين تتمحّور حول الموسيقى وتأليف المعزوفات الجديدة.

انعكاس لحياتنا

أعمال أخرى تدعم نظرية الترابط هذه، هي تلك التي نشرت عام ٢٠١٧ من قبل فريق رافاييل فالا Raphaël Vallat من جامعة ليون الفرنسيّة، إذ حرص الفريق على مدى ٧ ايام على تسجيل أحلام ٤٠ متطوعًا مباشرة بعد استيقاظهم صباحًا، وتبيّن أن الحالمين تمكّنوا في المتوسط من تذكّر ستة أحلام خلال هذه الفترة، بحيث جاء حوالى٨٣٪ منها على علاقة بتجاربهم الشخصية.

وأوضحت الدراسة أن ٤٠٪ من الأحلام المتعلّقة بسيرتهم الذاتية كانت قد حدثت معهم قبل ليلة واحدة من رؤيتها بالحلم. و٢٦٪ خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، و١٦٪ خلال العام المنصرم، و١٨٪ حصلت قبل أكثر من عام.

وصنّف المشاركون غالبية الأحداث التي عادت للظهور في الأحلام على أنها مهمة، خاصة الأحداث القديمة، والتي كانت أيضًا أكثر حدّة من الناحية العاطفية. في حين وصفوا تلك التي يرجع تاريخها إلى الليلة الأخيرة، ب”غير الضارة ”، كما لاحظ الباحثون أن أحلام ٢٣٪ من الحالمين جاءت انعكاسًا لمخاوفهم، فمثلًا، لقد حلم شاب كان قد أنهى امتحاناته للتوّ وكان قلقًا بشأن النتيجة، بأنه يجلس في الباص إلى جانب أساتذته وبحوزتهم علاماته.

npr.brightspotcdn

عواطف… مخاوف و… توقعات!

“في أحلامنا، قد نخطّط لحياتنا المستقبلية”، هذا ما خلصت إليه عالمة الأعصاب إيزابيل أرنولفIsabelle Arnulf من جامعة السوربون في باريس، فبعد دراسة الإنتاج الليلي لرجل كان يسافر كثيرًا بسبب عمله، تبيّن أن حلمًا واحدًا على عشرة من أحلامه كان حول المكان الذي مقرّرًا الذهاب اليه قريبًا.

ولكن لماذا المزج بين الأحلام واليقظة؟ هل له تأثير مباشر على حياتنا أم أنه مجرّد نتيجة ثانوية للنوم؟

كثيرة هي النظريات التي تطرّقت إلى العلاقة بين الواقع والحلم إلا أنّ أهمها تبقى تلك الدراسة التي أجراها عالم النفس مارك بلاغروف Mark Blagrove وفريقه في جامعة سوانسي Swansea البريطانية، والتي قامت على تقنيّات تخطيط كهربائية للدماغ (EEG)، وتتكّون من قياس التيّارات الكهربائية الصغيرة التي تمرّ عبر سطح الجمجمة، ففي إحدى التجارب، طلب من٢٠ متطوّعًا وقبل قضاء ليلتهم في المختبر، بالاحتفاظ بمذكرات مفصّلة عن حياتهم اليومية وذلك لمدة عشرة أيام، بما في ذلك مخاوفهم وتجاربهم. ومن ثمّ قبل أن يخلدوا إلي النوم، ألبسهم الباحثون أقنعة تتضمّن آلات تسجّل نشاط أدمغتهم، ودأبوا على إيقاظهم مرات عدّة خلال الليل ليسألوهم عما إذا كانوا يحلمون وبماذا، ثم قارنوا أحلامهم بنشاطهم اليومي فلاحظوا، مثلًا، أنه من حلم بالدرج كان قد تعرّض لحادث سقوط عنه خلال اليوم السابق، فاعتبروا أنه كلما كان الحدث غنيًا بالعواطف، جاءت احتمالية ظهوره في المنام أكبر.

كما اكتشف مارك بلاغروف وزملاؤه، الدور الذي تلعبه موجات دماغية معيّنة، إذ عندما تكون الأحلام متكرّرة وحيوية تسبّب أثناء نوم حركة سريعة للعين، ويلخص الباحث: “تصبح هذه الموجات مؤثّرة وأكثر حدّة وقوّة عندما يحلم الشخص بتجارب عاطفية خصوصًا إذا كانت قد حصلت حديثًا، ولم يتجاوز مرورها الأسبوع، بمعنى آخر فهي لا تؤثّر على الذكريات القديمة”

يفترض مارك بلاغروف: “أن الأحلام ربما قد تساعد في ما بعد على هضم المشاعر السلبية، كما توحي إحدى النظريات المتعلقة بوظائفها، بحيث انه خلال النوم، يعالج الدماغ جميع أنواع المعلومات من أجل تخزينها في الذاكرة وأنّ هذا العلاج قد يظهر من خلال أحلام خاصة لها علاقة بالمشاعر والذكريات والمواقف التي تواجهنا في حياتنا اليومية”.

غذاء مفيد للفكر

إذن هل من الممكن الاستفادة من محتوى أحلامنا لاستخلاص الدروس والعبر؟

هذا ما يؤكده مايكل شريدل Michael Schredl إذ يقول “يمكننا التعلّم من أحلامنا، لأنها بمثابة تجارب حقيقية إنها جزء من “نفسية الفرد الشاملة” وقد دأب منذ ما يقارب الأربعين عامًا، على تسجيل أحلامه، بحيث بات لديه اليوم ١٤٦٠٠ إنتاجًا ليليًا. ويشرح قائلاً: “لا يتعلّق الأمر بتفسير الأحلام بمعنى التحليل النفسي الكلاسيكي، إنما بهدف تحديد علاقات معيّنة بين محتواها وما نختبره”.

لنأخذ على سبيل المثال ما يسمى بأحلام “المطاردة”: أنت تفرّ من خطر يهاجمك، فإن النمط الأساسي لهذا النوع من الحلم واضح، يخاف المرء من شيء ما ويهرب منه وهو مظهر من مظاهر سلوك التجنّب في الحياة اليومية. وفقًا لشريدل، “لا يهم إذا كنت تحاول الهروب من وحش أو إعصار أو كلب حاد الأسنان، أنما يجب عليك إعادة النظر في سلوك التجنب التي تعتمده في حياتك الحالية”.

كما يمكن أن تؤدي الأحلام إلى صحوة ضمير، كما حصل مع مارك بلاغروف نفسه، فهو الذي شكّك طويلًا بهذه النظرية عاد واقتنع بها إثر حادث بسيط حصل معه عندما كان يتحضّر وعائلته للذهاب لمشاهدة مسرحية هاري بوتر، فقد غضب بسبب تلكؤ أولاده وعدم حماستهم للخروج وأخذ يصرخ عليهم، ليحلم في الليلة التالية حلمًا حول ردّة فعله هذه، فكتب تغريدة انتهت بأحرف كبيرة: “أعلم جيدًا أنه لا ينبغي أن أصرخ على أطفالي في مثل هذا النوع من المواقف، والحلم هو الذي سمح لي أن أعي ذلك حقًا”، ويضيف: “منذ ذلك الحين، أصبحت ردود فعلي أكثر هدوءًا واتزانًا”.
ويعتقد عالم النفس أن الأحلام قد لا تُحدِث ثورة، إلا أنها قد تسمح برؤية الأشياء من زاوية أخرى، فتساعد عناصر الانعكاس هذه على التطوّر بشكل إيجابي.

Screenshot 2023-05-28 at 16.41.59

ولكن، كم من مرّة راودتنا الأحلام على شكل روايات أو أفلام غامضة ومجازيّة فكانت عصيّة عن التفسير، فتجعلنا نعتقد وكأنها تلقي الضوء على ما أثارنا عاطفياً خلال النهار، أو جاءت تكرارًا لبعض من تجارب عشناها، فهل من “شِفرة” لفكّ لغزها؟

طور مايكل شريدل في هذا السياق، طريقة تفسير جماعية، بحيث يبدأ الحالم بكتابة أحد أحلامه، ثم يطلّع على ما كتبه أعضاء مجموعة أخرى، قبل أن يسألوه عن حياته اليومية ليربطوا بينها وبين الحلم، ثم اختبر في العام ٢٠١٥، فريق مارك بلاغروف هذا النهج بالإضافة إلى طريقة أخرى مشابهة جدًا، طوّرها الطبيب النفسي الأمريكي مونتاغ أولمان Montague Ullman، مع مجموعتين من حوالي عشرة متطوّعين، كانوا يلتقون مرة واحدة في الأسبوع للكلام عن أحلامهم، فمن بين اللقاءات على سبيل المثال، يروي شاب بأنه حلم بأنه كان ينزل سلّمًا رخاميًا في الطابق السفلي من منزل جديد كان قد بناه في مسقط رأسه، وذكّره الدرج بمنزل قضى فيه آخر إجازة عائلية قبل ترك المنطقة نهائيًا، فتبيّن من خلال تحليل الحلم، أن حنينه لعائلته كان أقوى مما كان يتصوّر.

وخلص بلاغروف وفريقه إلى ضرورة مشاركة الأحلام لما لها من أهميّة في تقوية الروابط الاجتماعية كونها تثير التعاطف لدى المستمع، وتعطي الراوي قوّة يستمدها من الجماعة.

يعني مما تقدّم، هل يمكننا أن نعتبر أن الأحلام مفيدة وهل لها وظيفة غير تلك التي تجعلنا نمضي جزءًا كبيًرا من الليل مغمورين بقصص قد تترك أثارها على نفسيتنا؟

يعتبر بعض الباحثين أنّ الأحلام قد تساعد على التغلّب على الأحداث الصعبة والمشاعر السلبية التي يمر بها المرء، وأحد المؤيدين الرئيسيين لهذه النظرية هو عالم الأعصاب الأمريكي ماثيو ووكر Mathieu walker، الذي أطلق على الأحلام اسم “البلسم المهدّئ”، بحيث يعتبر أن ليلة غنيّة جدًا بالأحلام تخفّف من الانفعالات التي تسبّبها رؤية الصور غير السارة، فمثلًا الأشخاص الذين يحلمون بالمصاعب التي يواجهونها، مثل الطلاق، يتعافون بشكل أفضل”. كما اعتبر أن الأحلام تساعد على التدريب على المخاطر، إذ يرى “أننا عندما نحلم بالتهديدات المحتملة التي تنتظرنا نتعلّم كيفية مواجهتها، وهذا من شأنه أن يفسّر سبب تواتر الحيوانات في أحلام الأطفال”.

ويقول أن ما يقارب ثلاثة أرباع الأمهات الشابات يحلمن بأن طفلهن في خطر، مثلًا أنه اختنق عن طريق الخطأ أثناء نومه بينها وبين والده، أو أنه سقط من مهده.

مثال آخر مذهل، استشهد به ويليام ديمينت William Dement ، وهو رائد في الدراسة العلمية للأحلام يقول: “في الوقت الذي كان يدخّن فيه كثيرًا، كان يحلم بأن لديه ورمًا في رئتيه، ورأى نفسه يخضع للعلاج الكيميائي ويحتضر”، ويضيف: “بعد هذا الحلم، لم ألمس سيجارة واحدة في حياتي”! ويمكننا الاستنتاج من تجربة Dement أنّ الحلم قد يساعد المرء في صناعة القرار والسماح له بتجربة البدائل المتعددة وبالتالي اتخاذ خيارات أكثر وضوحًا.

وقد تكون وظيفة الأحلام من شأنها أن تسمح لنا بفهم الآخرين بشكل أفضل من خلال وضع أنفسنا في مكانهم، وهذا ما قالته عالمة الأعصاب إيزابيل أرنولف بأنّ أحد مرضاها حلم بأنه بمرحلة المخاض بدلاً من زوجته!

هذا وعلى الرغم من أنّ هناك حكايات لا حصر لها لفنانين وعلماء وجدوا الإلهام في الحلم، مثل المغني بول مكارتني الذي حلم بلحن أغنية الأمس في المنام، إلا أنّ هذه النظريات لا تزال بحاجة إلى التوحيد، لكن الفكرة القائلة بأن للأحلام فوائد جمّة هي الأكثر رواجًا، بحيث تساعد على فهم ما نحن عليه وما نسعى إلى تغييره في حياتنا، كما أن مشاركة أحلامنا مع الآخرين قد تساعد على ذلك.

المقال السابق
في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين.. حقائق صادمة عن التبغ
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

أصاب طيلة ٢٤ عاماً.. مؤرخ شهير يتوقع اسم الرئيس الأميركي العتيد

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية