كانوا مع ذويهم وفُقدوا منذ 4 عقود، وبقيت صورهم ترافق قضية عالقة في أذهان ذويهم الذين لا يزالون متمسكين بحقهم بمعرفة مصير أبنائهم، في ملف استنزفه “أمراء الحرب” الذين أمسكوا بزمام السلطة، وتاجروا فيه ومستمرين، عن سابق اصرار وتصميم، في تغطية جرائمهم بـ”تنسيق” مع نظام وصاية أمعن في التستر عن 17 ألف شخص بين مفقود ومخفي، هم ليسوا مجرد أرقام، بل حقيقة يبدو أنها غير قابلة للكشف، إلا أن أسرهم وأحبائهم يتمسكون بحقهم مهما تكاثرت الضغوط.
يواصل لبنان مسلسل “طمس” الحقيقة، وهو ما تجلى بالأمس بامتناعه عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن انشاء “مؤسسة مستقلة” من أجل جلاء مصير آلاف الأشخاص المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً، ومن بينهم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية التي شكلت منذ عام 2000 مادة رئيسية في السجال السياسي، بعد أن تسلمت السلطات اللبنانية من السلطات السورية جميع المعتقلين السياسيين اللبنانيين الموجودين لديها وعددهم 54 وفق ما أعلنه الجانب السوري، كما تسلمت لائحة بأسماء الموقوفين بجرائم جنائية الذين لا يتجاوز عددهم المئة مع ملف كل منهم، ما دفع الى ارفع الصوت بأن الأعداد الكبيرة للسجناء اللبنانيين في سوريا تختلف عما هو موجود ، ما دفع بالرئيس رفيق الحريري حينها الى تأليف لجنة وزارية خاصة بالمفقودين اللبنانيين جراء الحرب وكذلك بالمعتقلين في السجون السورية رأسها الوزير السابق النائب فؤاد السعد وضمت في عدادها النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم وقادة الأجهزة الامنية وممثلين عن نقابتي المحامين في بيروت والشمال، إلا أنها لم تفلح في الوصول الى نتيجة.
دفع اعلان دمشق وبيروت انتهاءهذا الملف مع الإفراج عام 2000 عن 54 لبنانيا كانوا معتقلين في السجون السورية 11 نيسان من عام 2005، الى الاعتصام على مدى سنوات، في خيمة أمام “الإسكوا” بانتظار أن يرأف بهم المسؤولون ويضعون نهاية لمأساتهم، إلا أن تحركهم، وما رافقه من اشتباكات مع القوى الأمنية، لم يغيّر كثيراً في تجاهل الجانب الرسمي للقضية في لبنان وسوريا، بالرغم من الوعود و الإجراءات الشكلية التي اتخذت بعد الإنسحاب السوري من لبنان.
بقي الملف على ما هو من عليه من المراوحة والتنصّل، إلا أنه في العام 2018، أقر مجلس النواب قانون المفقودين والمخفيين قسراً، الذي يؤكد على حق الأسر بمعرفة مصير أبنائها، والاطلاع على المحفوظات الرسمية والتحقيقات، وبموجب القانون، تشكلت في العام 2020 هيئة وطنية مستقلة للبحث في مصيرهم، مصحوبة بمحطات مفصلية وشاقة وطويلة في سبيل الوصول الى حقهم في معرفة مصير أبنائهم وأحبائهم، بعد رحلة معاناة ونضال بدأت منذ 25 تشرين الثاني من العام 1982 مع انطلاقة “الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً”، وما رافقها من تحركات للوصول إلى الحقّ بمعرفة مصير المفقودين وانتزاع الحقيقة المجهولة “المعروفة”.
تم توثيق النضال الطويل في معرض “خط زمني”، نظمته اللجنة في آذار الماضي، وتم خلاله عرض محطات الأربعين عاماً بالصوت والصورة، لمسار شاق وطويل للتأكيد على أن قضية المفقودين والمخطوفين، لا تزال عرضة للطمس، وهو ما تجلى بالأمس بامتناع زعماء السّلطة الحالية والحرب السابقين عن التصويت للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً ونزلاء المقابر الجماعية في لبنان، في نهج مستمر لاخفاء جرائمهم المغطاة مع نظام وصاية لا يزالوا مرتهنين له، على الرغم من نداءات وضغوط لم تثنيهم عن الاستمرار في “خطف” قضية آلاف المخفيين.