أعلنت السلطات الكورية الجنوبية عن اعتقال الرئيس المعزول، يون سوك يول، في لحظة تاريخية تشهدها البلاد.
ويُعد يون، الذي يجري التحقيق معه بتهمة التمرد، أول رئيس في البلاد يتم اعتقاله، أثناء فترة ولايته. وقبيل فجر يوم الأربعاء، وصل فريق من المحققين مزودين بسلالم لتسلق الحافلات وملاقط لقطع الأسلاك الشائكة، التي أقامها الحرّاس حول مقر إقامته الذي تحول إلى “قلعة حصينة”، بحسب وصف معارضيه.
وقام ضباط آخرون في الفريق، الذي بلغ عدد أفراده حوالي ألف، بتسلق الجدران والمشي عبر المسارات القريبة للوصول إلى مقر الإقامة الرئاسي.
وقال الرئيس المعزول والمعتقل، في بيان مصوّر، إنه شهد كيف “غزا” المسؤولون محي ط أمني منزله بمعدات إطفاء الحريق، مضيفاً أنه قرر الظهور أمام مكتب التحقيقات في قضايا الفساد، “رغم أن التحقيق غير قانوني، من أجل منع وقوع أي إراقة دماء غير مرغوب فيها”.
وبحسب ما نشر محاميه سوك دونغ هيون على فيسبوك فإن الرئيس وافق على مغادرة مقر إقامته والاجتماع بالمحققين لمنع وقوع “حادث خطير”.
وفي مقطع الفيديو القصير - الذي لا يتجاوز 3 دقائق - قال يون إن سيادة القانون في البلاد قد انهارت، وأن الوكالات التي تحقق معه، والمحاكم التي أصدرت أوامر اعتقاله، ليس لديها السلطة الشرعية والقانونية للقيام بذلك.
وقد يواجه يون، وهو مدع عام سابق قاد “حزب سلطة الشعب” لتحقيق فوز انتخابي العام 2022، عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة في حال إدانته بتهمة التمرد.
وسعى لتجنّب توقيفه على مدى أسابيع عبر البقاء في مجمعه السكني بحماية عناصر “جهاز الأمن الرئاسي” الذين بقوا موالين له.
من جهته قال زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، بارك تشان داي، إن اعتقال يون يؤكد أن “العدالة في كوريا الجنوبية لا تزال قائمة”.
وأضاف خلال اجتماع للحزب أن هذا الاعتقال “هو الخطوة الأولى نحو استعادة النظام الدستوري والديمقراطية وسيادة القانون”.
وبينما يتفق الغالبية العظمى من الكوريين الجنوبيين على ضرورة محاسبة يون على أمر إعلان الأحكام العرفية، إلا أنهم لا يتفقون على شكل تلك المحاسبة، وفق ما قالت دو يون كيم، المساعدة الأولى في مركز الأمن الأمريكي الجديد، في وقت سابق لبي بي سي.
شهد مقر إقامة يون تجمع العديد من المواطنين الكوريين منذ الصباح الباكر، في صباح مشحون بالعواطف المشتعلة أمام مقر الإقامة الرئاسية، يسي بقرب اعتقال يون.
وخارج المجمع الرئاسي، تنافست مجموعتان بالهتافات ضد بعضهما البعض.
وبينما صرخ معارضو يون “اعتقلوه”، هتف أنصاره باسمه.
وعندما أُعلن أن الشرطة والمحققين تمكنوا من دخول المجمع الرئاسي، بعد أن شقوا طريقهم عبر الحواجز التي أقامها طاقم الأمن الرئاسي من الحافلات، انطلقت هتافات وصيحات مدوية من جانب معارضي يون.
وبعد أن تجاوز المحققون الحواجز وشقوا طريقهم إلى الداخل. بكى أنصار يون، الذين اشتبكوا مع الشرطة. وفي الوقت نفسه، هتف المتظاهرون المناهضون ليون، فرحا.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن موكباً من السيارات، من المفترض أنه يحمل يون، شوهد وهو يخرج من مقر إقامته.
إلى ذلك، اعتبر حزبه الحاكم بأن توقيفه مخالف للقانون.
وقال رئيس كتلة “حزب سلطة الشعب” في البرلمان كيون سيونغ-دونغ في اجتماع حزبي إن “التاريخ سيسجّل لا محال حقيقة أن مكتب التحقيق في الفساد والشرطة نفذا مذكرة غير منصفة ومخالفة للقانون”.
وفي تحقيق مواز، بدأت المحكمة الدستورية الثلاثاء جلسات للنظر في قرار البرلمان عزل يون.
وفي حال ثبتت المحكمة العزل، فسيخسر يون الرئاسة وستجري انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً.
من جانبه، رحب “الحزب الديمقراطي” المعارض بعملية الاعتقال التي اعتبر أحد كبار مسؤوليه بأنها “الخطوة الأولى” باتجاه إعادة فرض النظام الدستوري والقانوني بعد أسابيع من الاضطرابات.
وعبّر رئيس البرلمان وو وون-شيك عن موقف مشابه قائلاً: “علينا تركيز جهودنا على إعادة الاستقرار إلى شؤون الدولة وتأمين سبل عيش الناس”.
وعند الإعلان عن اعتقال يون أطلق المناهضون ليون أغاني “التهنئة والاحتفالات”.
وتعالت الهتافات والتصفيق لما يرونه نجاحاً لإنفاذ القانون.
بينما بدا الجو مختلفا تماماً على الجانب الآخر، إذا قال أحد أنصار يون، وهو يردد ما قاله الرئيس في رسالته المصورة: “نحن منزعجون للغاية وغاضبون - لقد انهار حكم القانون”.
من هو يون سوك يول ولماذا هو في ورطة؟
شغل الرئيس الكوري الجنوبي الموقوف الآن، يون سوك يول، منصب المدعي العام، وبرز نجمه مع صعوده إلى السلطة بعد أن اكتسب شعبية بين الناخبين المحافظين من خلال منصة مناهضة للنسوية وموقفه المتشدد من كوريا الشمالية.
لكن بعد صعوده إلى الرئاسة في عام 2022، طاردته فضائح شخصية ووقفت في مواجهته معارضة زادت قوتها بشكل كبير.
ومع تصاعد مشاكله السياسية، أعلن يون الأحكام العرفية في 3 ديسمبر/ كانون الأول وأغرق كوريا الجنوبية في الفوضى السياسية.
لكن سرعان ما تبين أن هذه المقامرة كانت فاشلة، ما أدى إلى عزل يون من قبل البرلمان ومن ثم دخوله في دوامة التحقيقات الجنائية.
وحتى صباح اليوم الأربعاء كان الرئيس المخلوع يتحصن في المقر الرئاسي، حيث حاول حرسه الرئاسي منع اعتقاله للمرة الثانية هذا الشهر. لكن ذلك كله انتهى مع الساعة 10:33 صباحاً بالتوقيت المحلي عندما اعتقلته الشرطة الكورية.
وتضع الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية فرعين من السلطة التنفيذية في مواجهة بعضهما البعض: ضباط إنفاذ القانون، المسلحين بأمر اعتقال قانوني يحاولون تنفيذه، وطاقم الأمن الرئاسي، الذين يقولون إنهم ملزمون بحماية الرئيس الموقوف.
ويقول كلاهما إنهما يتبعان ا لأوامر وسيادة القانون، بينما تستمر المواجهة.