في الرابع عشر من شباط ٢٠٠٥، تحوّل رفيق الحريري من شخصية سياسيّة بارزة الى رمز وطني كبير، حتى كدنا نظن، لأشهر طويلة، أنّه أوّل تجسيد لبناني لأسطورة طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده.
لم يكن ظنّنا هذا نتاج تخيّلات وأوهام، فثورة اللبنانيّين التي أعقبت هذا الاغتيال الارهابي الفظيع، والنتائج السياسية والسيادية والوطنية التي تحققت، أثبتت لنا بأنه كما تبدأ حياة الفرد من الرحم، يمكن للخلاص الوطني أن يبدأ من القبر! ولكن سرعان ما بدأ هذا الظن يتلاشى، عندما نجح “حفّارو القبور”، في فرض معادلاتهم على الجميع.
ونحن، ومهما صخبت المنابر بالمواقف والشعارات، نعيش، حاليًا، تحت رحمة المعادلة التي وقفت وراء اغتيال رفيق ال حريري، فلبنان، على الرغم من أنّه يقاوم الموت بنعمة غريزة البقاء، ليس نزيل الجحيم الشامل فحسب بل يخشى على نفسه من نهاية وخيمة، إمّا تحت وطأة حرب تفرض معادلاته على الجبهة الجنوبية أو تحت وطأة تعديل جذري بهويته ودوره ودستوره ومؤسساته.
وطن يعاني وهو يرى الضحايا يحابون القاتل والقاتل يضع يديه على رقابهم وأرزاقهم ومستقبلهم، ويوزع شهادات بالوطنية والإنسانية والعدالة والحساب في يوم القيامة. . وهذا الواقع المرعب، لا يتحمّل مسؤوليته القتلة وحدهم، بل يشاركهم فيها أيضًا الضحايا الذين تاهوا وتضعضوا ووهنوا وطمعوا وجبنوا وتخلّوا وخانوا واسترزقوا واستغلوا!
ليس المطلوب اليوم، في الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال رفيق الحريري، لا الندب ولا النواح ولا البكاء، بل بذل الجهود لإعادة الاعتبار الى نهج اسقاط أهداف القتلة التي تتمحور كلّها حول فرض واقع كارثي لا يريده اللبنانيّون.
منذ سنوات نجحت العبوة الناسفة التي اغتالت الحريري في فرض معادلاتها على الجميع، فكان انهيار لبنان. حاليًا، على رافعي لواء رفيق الحريري، أن يسعوا الى معاقبة القتلة، بعدما اصبحت وجوههم مكشوفة في الداخل والخارج. العقاب لا يكون بإدخال “بيادق القتلة” الى السجن، فحسب بل في العمل على اسقاط مخططاتهم وإعادة الاعتبار الى الحلم الوطني الذي من أجله بذل رفيق الحريري دماءه، أيضًا.
ممنوع أن تنتصر عبوة الرابع عشر من شباط وتخسر القضية التي بسببها كانت حفرة السان جورج!.