"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

نتنياهو وترامب ٢ ..رهانات تحت الاختبار

ابراهيم ناصر
الأحد، 10 نوفمبر 2024

نتنياهو وترامب ٢ ..رهانات تحت الاختبار

من بين زعماء العالم كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اول المتصلين بدونالد ترامب لتهنئته على فوزه في انتخابات الرئاسة الأميركية. راهن نتنياهو باكرا على عودة ترامب الى البيت الأبيض وكان هذا الرهان من بين أسباب إطالة مدة الحرب لكي تنتهي في ظل إدارة أميركية اثبتت وقائع ولايتها الأولى بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠ بانها كانت الأقرب الى إسرائيل. وعلى هذا الأساس اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي ان خططه لاستخدام إنجازاته العسكرية في غزة ولبنان لفرض وقائع سياسية جديدة في لبنان والأراضي الفلسطينية وفقا لتصوراته الخاصة سوف تكون أقرب للتحقق مع دونالد ترامب حليفه المؤكد. هذا فضلا عن قناعة نتنياهو بتقاسم الرؤية نفسها مع ترامب في ما يخص النظام الإيراني لناحية الاستمرار في الضغط عليه واضعافه لدفعه الى التنازل بما يتعلق بأذرعه الإقليمية ومشروعه النووي.

وبناء على هذه القناعة استخدم نتنياهو كل ما اوتي من حنكة سياسية لمقاومة جهود الإدارة الديمقراطية لمنع التصعيد الإقليمي ورفض إعطاءها أي نوع من الإنجاز الديبلوماسي عندما أجهض كافة عروض وقف الحرب التي عرضها عليه مرارا وتكرارا فريق بايدن السياسي والأمني. كما جاء اسقاط نتنياهو لكل المبادرات الأميركية بأسلوب لم يخل من علامات التحدي والاهانة للرئيس بايدن والتي تلقفها المرشح ترامب خلال حملته الانتخابية للتصويب على ضعف الديمقراطيين وتفريطهم بعظمة اميركا.

الآن وقد فاز نتنياهو برهانه الانتخابي الأميركي فهل يصحّ معه أيضا رهانه السياسي على ترامب في ولايته الجديدة؟

لقد سبق الانتخابات ورافق نتائجها العديد من المؤشرات التي تدلّ على احتمال ان لا تشكل ولاية ترامب الثانية بالضرورة حقلا ورديا لسياسات واهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي.

بدأ ترامب حملته معتبرا بان لديه رصيدا قويا لدى يهود اميركا ناتج عن سياسة الصداقة التي انتهجها تجاه إسرائيل خلال ولايته الرئاسية الأولى والتي حسب وصفه لم يرتق الى مستواها أي رئيس أميركي آخر. وعليه فقد عوّل خلال الحملة الانتخابية على تحوّل كبير للصوت اليهودي لمصلحته بما لا يقل عن نسبة النصف من هذه الكتلة الناخبة وقد بذل الكثير من الجهد ضمن أوساطها لتحقيق هذا التحول رابطا إياه بوعود استمرار دعمه للدولة العبرية.

ففي خلال خطاب ألقاه ضمن فعالية حملة لمكافحة معاداة السامية في أيلول الماضي، سخر ترامب من بيانات استطلاعات الرأي التي توقعت حصول الديمقراطيين على نسب 60% من أصوات اليهود. وقال: “كنت هناك (في البيت الأبيض) لمدة أربع سنوات، وأعطيتهم (الإسرائيليين) مليارات ومليارات الدولارات. كنت أفضل صديق لإسرائيل على الإطلاق، … الآن، لقد فعلت كل هذه الأشياء، لذا الآن، ليس لدى اليهود أي عذر”. متابعا: ” أربعون في المائة (من أصوات اليهود) غير مقبولة لأن لدينا انتخابات للفوز بها. للأسف، ويجب أن أقول هذا، ويؤلمني أن أقوله، سيظل اليهود يصوتون للديمقراطيين؟ هذا لا معنى له. أقول طوال الوقت إن أي شخص يهودي يصوت لها (كاملا هاريس)، وخاصة الآن، لها أو للحزب الديمقراطي، يجب أن يخضع لفحص ذهني”. وفي مناسبة انتخابية ثانية قال ترامب وبمبالغة تميز الكثير من تصريحاته بان دولة إسرائيل سوف تزول خلال بضع سنوات إذا لم يعد الى البيت الأبيض رئيسا وردّد في الكثير من المناسبات بان هجوم حماس على غلاف غزة لم يكن ليحدث لو كان في سدة الحكم.

لم يحصد ترامب الا الخيبة من الصوت اليهودي. تدل الاحصائيات بان أصوات الكتل اليهودية الأميركية ذهبت بأغلبيتها الساحقة لمصلحة كاملا هاريس وبنسب تفوق دورتي ١٩١٦ و٢٠٢٠. وقد أشار استطلاع لاقتراع الناخبين أجرته شبكة إن بي سي نيوز ونشر مساء الثلاثاء (يوم الانتخابات) إلى أن 21% من اليهود الأميركيين صوتوا لصالح ترامب، بينما صوت 79% منهم لصالح نائبة الرئيس هاريس. من المبكر الاعتداد بدقة هذه الأرقام. لكن من شبه المؤكد ان التحوّل في الصوت اليهودي الذي امل ترامب بتحقيقه لمصلحته لم يتحقق وهو لم يفته التعبير ولو بشكل غير مباشر عن هذه الخيبة في خطاب النصر الذي شكر فيه كل من ساهم في فوزه وكان اللاتينيون والعرب والمسلمين الاميركيين من ضمن الفئات الاثنية التي خصّها الرئيس المنتخب بالشكر حيث لم يأت مطلقا على ذكر اليهود الاميركيين. وبالتالي سوف يدخل ترامب البيت الأبيض في بداية في كانون الثاني المقبل محرّرا على الأقل من اية وعود انتخابية لهذه الفئة.

وفيما يتعلّق بالمسيحيين الانجيليين المعروف عنهم، لاسباب دينية، تأييدهم اللامحدود لدولة إسرائيل فانه وبخلاف انتخابات ٢٠١٦ والتي فاز بها ترامب بولايته الأولى حيث لعب اتباع هذه الكنيسة دورا محوريا في حسمها لمصلحته وكان لهم تأثيرا واضحا على سياسات دعم الدولة العبرية التي اتبعها الرئيس خلال تلك الولاية، فقد شهدت انتخابات ٢٠٢٤ تراجعا لدورهم على حساب شرائح مجتمعية اكثر تنوعا وفي ظل شعارات انتخابية اكثر شمولية تمتد من الاقتصاد والقدرة الشرائية ولا تنتهي بالعودة للقيم الاجتماعية المحافظة والتي ادّت الى هذا الجرف الانتخابي لمصلحة ترامب. وعليه فلن يكون الرئيس السابع والأربعين تحت تأثير الانجيليين بما يتعلق بمقاربته للعلاقة مع إسرائيل بالقدر نفسه الذي كان عليه في ولايته الأولى.

منذ ان ترشح للانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٦ وفرض نفسه على الحزب الجمهوري حتى عشية اعلان النتيجة لم يكن ترامب مقتنعا على الاطلاق وباعترافه شخصيا بإمكانية فوزه. أراد من خلال ترشحه استفزاز وتحدّي المنظومة السياسية القائمة الخبيرة والمتجذرة بالإضافة لاستخدام الأضواء المسلطة عليه كرافعة لإمبراطورتيه المالية. دخل البيت الأبيض كمخلوق فضائي. لا يتمتع بالحد الأدنى من الخبرة السياسية ولا يفقه شيئا من تعقيدات العلاقات الدولية ولا يحيطه فريق عمل متمرس ومتخصّص. أمضى فترته الرئاسية من دون ان يكمل التعيينات في ادارته وكان، لقلة خبرته، شديد الحذر من المتمرسين الذين عملوا معه واعتمد بشكل أساسي على المقربين ذوي الثقة ولو كانوا من الطارئين على العمل السياسي. ولهذا السبب اتسمت ادارته بالتخبط وعدم الاستقرار والتغيّر الدائم للوجوه في المناصب الحسّاسة خلال كامل الولاية. وعلى هذا الأساس عهد بالملف الإسرائيلي الفلسطيني والى حدود معينة الشرق اوسطي لأقرب المقربين منه، صهره جاريد كوشنر إبن أحد أصدقاء بنيامين نتنياهو الذي يعرفه منذ نعومة اظافره. كانت مساهمة كوشنير أساسية للفترة الذهبية للعلاقات الأميركية الإسرائيلية هو الذي كان يحمل مطلب نتنياهو والمبادرات التي يصيغها مكتب هذا الأخير ويسوقها كما هي لدى عمه الذي يهوى عقد الصفقات وعدم الغوص في التفاصيل والبعيد سنوات ضوئية عن تعقيدات الشرق الأوسط وحساسيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

غاب جاريد كوشنر غيابا تاما عن حملة عمه الانتخابية التي أسدل ستارها مؤخرا وأصبح من شبه المؤكد بان لا دور له في الإدارة الرئاسية الجديدة. الأهم من ذلك ان ترامب بنسخته الثانية هو غير ترامب بالنسخة الأولى. لم يعد طارئا على العمل السياسي وأصبح من اركان المنظومة السياسية الأميركية وقائدا للحزب الجمهوري حيث قرّب اليه كافة اركانه وصار محاطا بفريق كامل من المتمرسين في كافة شؤون الحكم ومن بينها طبعا السياسة الدولية والخبراء بشؤون الشرق الأوسط تحديدا. ومن المتوقع ان يكون ترامب في هذا الملف شريكا كاملا في صياغة السياسات وتطبيقها ولن يكون كما في السابق في موقع المتلقي لا من نتنياهو ولا من غيره. ومما يزيد من هذه الاحتمالية ان ترامب الذي يمنعه الدستور من الترشح للمرة الثالثة سوف يكون محررا خلال كامل ولايته من كافة الحسابات الانتخابية.

اما عن رأيه الشخصي برئيس وزراء إسرائيل فمن المفيد التذكير ان ترامب لم يتردّد باتهام نتنياهو بخيانته قبل وقت قصير من قيام الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليماني عام 2020. اذ قال خلال كلمة له في ويست بالم بيتش في ولاية فلوريدا في ١٢ تشرين اول ٢٠٢٣ عن مرحلة التنسيق لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني: “كانت إسرائيل ستفعل هذا معنا، وكان يتم التخطيط له والعمل عليه منذ أشهر”. وأضاف: “لقد أعددنا كل شيء، وفي الليلة التي سبقت موعد العملية، تلقيت مكالمة تفيد بأن إسرائيل لن تشارك في هذا الهجوم”. وتابع: ” لم يخبرونا بالسبب”. وقال: “لقد خاب أملنا من ذلك. لقد خاب أملنا بشدة”. “لكننا قمنا بالمهمة بأنفسنا، بدقة مطلقة … ثم حاول بيبي أن ينسب الفضل إلى نفسه”. وقال: “لن أنسى أبدًا أن بيبي نتنياهو خذلنا”. في المقابل لا يمكن اغفال استقبال ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في زيارته الى الولايات المتحدة في تموز الماضي وما دار خلالها من محادثات حول مآلات الحرب التي يخوضها كما لا يمكن التقليل من أهمية العديد من الرافعات التي ما يزال يتمتع بها نتنياهو في اوساط الجمهوريين عموما والمقربين من ترامب بشكل خاص.

بالتأكيد لن يتحول ترامب في نسخته الثانية الى خصم لبنيامين نتنياهو، لكن الأخير لن يتلقى من الرئيس الأميركي هدايا مجانية ولن يكون له ذلك الحليف المضمون. مصلحة “عظمة اميركا أولا” والقيود على سيد البيت الأبيض العائد تبدو اقل وطأة من السابق.

المقال السابق
ماكرون يتضامن مع إسرائيل "كرويًا"

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

في أول ظهور رسمي له.. السفير الإيراني بعين مصابة وأصابع مقطوعة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية