"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

نتنياهو والحرب وهاجس دخول التاريخ

ابراهيم ناصر
الجمعة، 3 يناير 2025

نتنياهو والحرب وهاجس دخول التاريخ

يحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إدارة حربه الطويلة والمتعددة الجبهات بهدف الخروج منها بصورة بطل إسرائيل القومي ورمز معركة استقلال إسرائيل الثاني وهي التسمية المفضلة لديه للمواجهات العسكرية الدائرة منذ عملية السابع من تشرين اول 2023. هو يجهد لتثبيت مثل هذه الصورة ليس فقط من اجل بقائه السياسي او التأثير على القضاء والراي العام الداخلي بما يتعلق بمتاعبه القانونية او محو مسؤوليته الشخصية عن عدم التحوط لإمكانية حدوث غزوة حماس للداخل الإسرائيلي انما أيضا والاهم بهدف دخول التاريخ كواحد من عظماء بلاده مثله مثل بن غوريون وحاييم وايزمن وتيودور هرتسل.

فضلا عن انه ابن مؤرخ إسرائيلي معروف ومسكون بهاجس التاريخ فقد بلغ نتنياهو الخامسة والسبعين من العمر ويعاني من مشاكل صحية عدة آخرها عملية استئصال البروستات التي خضع في اليوم الأخير من سنة 2024. من الطبيعي إذن، ان يصوّب أداءه في آخر سنوات تحمّله اعلى المسؤوليات العامة لتحقيق ما سيتركه من إرث سياسي في ذاكرة بلاده. كان يعوّل لذلك على عملية استكمال التطبيع مع دول العالم العربي والإسلامي ليتوّج بها مسيرته السياسية الطويلة كإنجاز نوعي غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية. وبحسب مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة فان الاتفاق على تطبيع العلاقات مع اندونيسيا أكبر بلد إسلامي في العالم كان في مراحله النهائية عشية السابع من تشرين اول 2023 وذلك بالتوازي مع تقدم المفاوضات للغرض نفسه مع المملكة العربية السعودية.

لكن أليست الحروب الكبرى هي الباب الاوسع لصناعة العظماء ودخول التاريخ؟

إنّ فرصة حرب نتنياهو الكبرى قدمتها له على طبق من فضة الأخطاء القاتلة لأعدائه. هكذا صنع يحيى السنوار في 7 تشرين اول 2023 للإسرائيليين ما يوازي 11 أيلول 2001 بالنسبة للأميركيين فيما تكفلت إيران وحزب الله بإطلاق ما اسموه مساندة غزة.

كل ذلك أعطى الذريعة لري ظمأ الإسرائيليين للانتقام عبر توسيع الحرب وتحويلها الى نزاع إقليمي مفتوح متعدد الجبهات.

وفي غضون خمسة عشر شهرا من العمليات العسكرية وفي تجاهل واضح للتحذيرات الأميركية من توسيع النزاع واطالة امده تمكن الجيش الإسرائيلي وبفضل تفوقه الكاسح على كل المستويات، من الانقضاض على اعدائه الواحد تلو الآخر والحق بهم هزائم مكتملة الاوصاف قلبت المشهد الإقليمي رأسا على عقب. وفيما لم تنتهِ بعد حلقات المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران والتي تخشى الجمهورية الإسلامية من تبعاتها على بقاء النظام بعد انكشاف هشاشته، شهدت الأشهر الأخيرة من الحرب ما لم يكن بالمقدور تخيّل حدوثه بهذه السرعة عبر الانهيار الشامل لمشروع إيران الإقليمي الذي كان يمثل عنوان فخرها وهيبتها في المنطقة وأداة الردع الأساسية لسياستها الدولية.

سوريا عادت أخيرا لأهلها. فبعد ان أنهكت الضربات الإسرائيلية النظام وداعميه، التقطت فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام اللحظة المناسبة وتمكنت في غضون أسبوعين من اسقاط نظام آل الأسد المستبد ومن طرد إيران وكافة ميليشياتها الى خارج الحدود. لقد فتحت امام هذا البلد العريق آفاقا واسعة لإعادة بناء اجتماعه واقتصاده وعمرانه وثقافته وعودة ملايين نازحيه الذين شرّدتهم دموية النظام الاسدي البائد ولعودته الى محيطه الجغرافي الطبيعي. ولعلّ السلاسة التي رافقت عملية التغيير والحكمة التي يبديها قادة سوريا الجدد في مقاربتهم لتحديات المرحلة الجديدة يؤشران الى مرحلة انتقالية سوف تستدعي مزيدا من الاحتضان العربي والدولي وتؤسس لدولة سورية جديدة تعتمد أولويات اللحمة الوطنية وإعادة البناء والتأسيس للتنمية الاقتصادية والنأي عن الصراعات الإقليمية المدمرة.

لبنان بدوره وبعد هزيمة حزب الله واستسلامه للشروط الإسرائيلية يخرج أيضا من سجن الممانعة الذي زُجّ فيه عنوة ولفترة طويلة. فمع دفن الدويلة أصبح بوسع اللبنانيين تحصين سيادتهم على كامل ارضهم وإعادة بناء مؤسسات دولتهم بعيدا عن الهيمنة الفئوية وعلى ترميم علاقاتهم العربية والدولية والتفرّغ للإصلاحات وإطلاق عجلة الاقتصاد والنمو في أجواء من الاستقرار التي افتقدها طويلا.

وإزاء ما شهدته دول الجوار من تحولات ولاتقاء قوة الدفع المذهلة للآلة العسكرية الإسرائيلية أبدت القيادة العراقية ما يكفي من التعقّل للتمايز عن الاجندة الإيرانية ومسارها الانحداري ونجحت في لجم حشدها الشعبي الذي أعلن عن خروجه من حروب المساندة وبقي في موقع المتفرج على عملية اسقاط نظام الأسد وطرد إيران وميليشيتها من سوريا.

وإذا كانت الحرب قد بدأت بالتدمير المنهجي لقطاع غزة والقضاء على الجسم العسكري لحركة حماس فان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتهيأ في هذه المرحلة للمواجهة الكبرى مع إيران. هو لا يخفي نواياه في هذا المجال والتي تصل الى حد اسقاط النظام الإيراني وذلك بعد نجاح جيشه بالقضاء على كافة الاذرع الإيرانية التي كانت تمثل تهديدا مباشرا لإسرائيل على حدودها في حين لم يتبقّ من هذه الاذرع سوى الحوثيين وما يشكلون من تهديد يتجاوز إسرائيل ليطال خطوط التجارة البحرية الدولية وما يعنيه ذلك من مسؤولية دولية مشتركة لإزالة خطرهم.

العديد من دول المنطقة وشعوبها سوف تخرج مستفيدة من نتائج حروب إسرائيل المتعددة الجبهات. امام لبنان فرصة واضحة لقيامة الدولة ودخول عصر الاستقرار والازدهار بعد هزيمة حزب الله والخروج من القفص الممانع. سوريا تخلّصت من ابد النظام الاسدي ومن العبث الإيراني بنسيجها الاجتماعي وتسلك أولى خطواتها للتعافي والتطلع الى مستقبل أفضل. ازدادت حصانة الأردن لصدّ محاولات العبث بأمنه واستقراره. العراق أصبح أكثر جرأة على المجاهرة بسيادته وإعطاء الأولوية لمصالحه الوطنية فيما مال التوازن الاستراتيجي بشكل واضح لمصلحة الدول الخليجية في مواجهة إيران الضعيفة. وفيما خصّ تركيا فقد وجدت مجالها الحيوي يتوسّع جنوبا وغدا الرئيس التركي اردوغان لاعبا سياسيا محوريا في منطقة الشرق الأوسط.

لكن ماذا عن إسرائيل؟ من المؤكد ان إنجازات جيشها قد كرسّها القوة العسكرية صاحبة التفوق الكاسح على مستوى المنطقة وأصبحت حدودها الخارجية بمأمن من أي نوع من التهديد العسكري لفترة طويلة من الزمن. لا يفوّت رئيس الحكومة الاسرائيلية فرصة للمفاخرة بان حربه الأخيرة قد غيّرت وجه الشرق الأوسط وبأن يده فيها أصبحت طليقة. غير انه وبفعل تاريخ نشأة دولة إسرائيل وغربتها العميقة عن جوارها ثقافيا وسياسيا واجتماعيا لن يكون بوسع نتنياهو ترجمة إنجازاته العسكرية الكبيرة سياسيا خارج حدود جغرافيا بلاده الضيقة او زيادة نفوذ دولة إسرائيل الإقليمي. بعد الحرب الذي يخشى نهايتها سوف ينزل نتنياهو عن قمة جبل الشيخ حيث يزهو بقوته العسكرية الساحقة ليعود لمواجهة الانقسامات العامودية في المجتمع الإسرائيلي والتي ستفاقمها ندوب الحرب الطويلة في جسم هذا المجتمع بالإضافة الى المساءلة التي لا مهرب منها حول ظروف احداث السابع من تشرين اول 2023 في ظل قيادته. والاهم من ذلك وعلى الرغم من النكبة الجديدة التي اصابتهم سوف يبقى ما يقارب السبعة ملايين فلسطيني بين الضفة الغربية وغزة والداخل الإسرائيلي يمثلون أرقا سياسيا وامنيا ووجوديا للإسرائيليين ما دامت حقوقهم السياسية سليبة وذلك مهما تضخمت الانتصارات العسكرية الإسرائيلية على الجبهات الأخرى.

بين ما ينتظر بنيامين نتنياهو من تحديات داخلية مصيرية وما حققته حربه على مستوى المنطقة سيأخذ التاريخ وقته ليقول كلمته النهائية ويحجز له فيه المقام الذي يستحقّ.

المقال السابق
أول اتصال من ميقاتي بالشرع..ماذا جاء فيه؟

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

نقاش بالصوت والصورة/ من بين ثلاثة "محتملين" من سوف يكون رئيس الجمهورية اللبنانية؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية