قرر “حز ب الله” بدء مرحلة تثبيت هيمنته الكاملة على لبنان. لم يُعرف بعد ما إذا كان هذا القرار قد وقف وراء فتح الجبهة اللبنانيّة - الإسرائيلية بالتزامن مع حرب “طوفان الأقصى” التي بدأتها حركة “حماس” بهجومها على غلاف غزة أو أنّه نتيجة له، لكنّ القرار اتُخذ!
التعبير عن هذا القرار الذي لم يجد بعد أي قوة لبنانية قادرة على التصدي له، قاده الأمين العام للحزب حسن نصر الله، بحيث ثبّت صورتَي كل من قائد الثورة الإسلامية في إيران روح الله الخميني ومرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي في صدر الصالون الذي يستقبل به كبار زوّاره، بالتزامن مع إعلانه أنّ مؤيدي “المقاومة الإسلامية في لبنان” وأعمالها وحروبها وأسلحتها وتطلعاتها، يشكلون الأكثرية في بلاد الأرز، متكئًا بصورة مركزية على عددية طائفية مرتبطة بشيعة لبنان!
وكان قد سبق لنصر الله أن أعلن، قبيل إقدام إيران على تعيينه في منصبه بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في شباط 1992، أنّ الهدف النهائي لـ”حزب الله” هو إقامة جمهورية إسلامية تابعة لـ”الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها الولي الفقيه”، ولكن ليتم ذلك، وفق ما عاد وأوضح بعد تثبيته في منصبه مدى الحياة بفعل تغيير النظام الداخلي للحزب وإسقاط مبدأ المداورة، لا بد من التأكد من موافقة أكثرية اللبنانيّ ين.
وسبق أن بدأ نصر الله محاولة تثبيت هيمنة حزبه على لبنان، عندما وضع مواصفات لا يحيد عنها للرئيس الجديد للجمهورية، إذ إنّ المطلوب منه شيء جوهري واحد: عدم طعن المقاومة في الظهر!
ولم يجد “حزب الله” منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون “درة التاج” هذه، إلّا في شخص رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية الذي بدأ يطلق على الخامنئي، هو الآخر، لقب “القائد”!
وهذا “بيت القصيد” في مساعي “حزب الله”، فهو يعمل من أجل الوصول إلى قيام دولة تضع نفسها، كلياً، تحت إمرة “القائد”. الخامنئي أو المرشد الإيراني الذي يليه يكون “القائد الأعلى” ونصر الله أو الذي يليه يكون “القائد القطري”.
وعملية تبادل الألقاب التي حصلت أخيراً بين الخامنئي ونصر الله تشير إلى ذلك. نصر الله يعتبر أن “القائد” هو “بقية الله على الأرض”، وفق بيان صدر بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والخامنئي يعتبر أن “قائد المقاومة في لبنان” هو “حجة الإسلام والمسلمين”، وفق خطاب ألقاه، في مناسبة مقتل رئيسي أيضاً!
ويدخل “حزب الله” خطة الهيمنة الكاملة والنهائية على لبنان، في ظل الحرب المفتوحة على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، حيث بدت أكثرية القوى الشعبية والمجتمعية وكأنّها قد أسرت نفسها وراء قضبان الشعار الشهير: لا صوت يعلو فوق صوت الحرب!
وبدا واضحاً أنّ ما تبقى من الدولة اللبنانية قد تخلى نهائياً عن السيادة الوطنية عموماً والسيادة الجنوبية خصوصاً لـ”حزب الله”.
في إسرائيل، لم يصمت أحد على ما يتعرض له الشمال من خسائر. لقد أقام السكان الدنيا ولم يقعدوها، مهددين حكومتهم وجيشهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن لم يعيدوا إليهم الأمن والطمأنينة. وقد نجح هؤلاء السكان في وضع مناطقهم في مقدمة قائمة الأولويات، بعدما كانت مركونة كجبهة ثانوية لمصلحة الاهتمام الحصري بغزة. وبدأ، بناءً على ذلك، تدفق القيادات على المناطق المحاذية للحدود، مع خطط سياسية ومالية، وإنمائية، وعسكرية ودبلوماسية.
أمّا في لبنان، فقد فرض “قانون الصمت” نفسه على الجميع واحتكر “حزب الله” الموقف كما الميدان. وبعد محاولات سكانية على الاعتراض ومحاولات يائسة لاستدعاء الجيش والدولة إلى الجنوب، جرت عملية قتل في عين إبل، وجرى تلبيس البطريرك الماروني بشارة الراعي ثوب ضابط إسرائيلي، وأُفهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنّ كلامه الذي يمكن أن يتعارض ومصلحة “حزب الله” مكلف للغاية، فساد صمت عميق، وغابت الدولة، وتحوّل الجيش اللبناني إلى فرقة تشبه الصليب الأحمر، وأضحت الحكومة مجرد خزنة تلبي طلبات الحزب.
وتحت راية “حزب الله” يتحوّل الضحايا إلى قافلة من “السعداء” والمنازل إلى “كومة حجر لا قيمة لها” والطرق إلى مجرد معابر “نحو القدس”، والنازحون الى “بيئة المقاومة”، والحرب الى مجرد عرض حي لترسانة الأسلحة المكدّسة!
هناك في لبنان من لا يزالون يقاومون منحى “حزب الله” هذا، لكنّ ما تثبته المعطيات يؤكد أنّ هؤلاء مجموعات متناثرة يستحيل عليها، إن بقيت كما هي عليه حالياً، التصدي لهدف “حزب الله” وضع لبنان تحت إمرة “القائد” الإيراني!