في وقت مضى، كان الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله يعتبر أنّ حلّ أزمة لجوء السوريّين الى لبنان يقتضي بأن تنفتح الحكومة اللبنانيّة على النظام السوري وتبدأ حوارًا مع المسؤولين فيه، ولكنّه يوم أمس أدخل تعديلات جوهريّة على “وصفته السحريّة” وبات مطلوبًا تشكيل قوة ضغط لبنانيّة تضم سائر القوى السياسيّة، من أجل “إلزام” الولايات المتحدة الأميركية بإسقاط “قانون قيصر” حتى يتمكّن النظام السوري العائد رئيسه بشّار الأسد من الصين، “قائدة الشرق” والمدعوم من روسيا، “جيش الشرق”، من استعادة الشعب الذي نزح منه أكثر من 14 مليون نسمة الى الخارج عمومًا وإلى دول الجوار خصوصًا!
في الواقع، ومنذ طرح نصرالله الأوّل، كان واضحًا أنّه لا يفتّش عن حلول ناجعة لمأساة النازحين التي كان سببًا في تفاقمها بعد دخول حزبه الى جانب سائر أذرع إيران في الحرب السوريّة، بل يسعى إلى خدمة “أجندة” النظام السوري الذي يستثمر في ما أوجده من أزمات حادة، فاللاجئون عنصر استغلال مثل إغراق الأسواق ب”الكبتاغون الممانع”.
وعندما طرح نصرالله الإنفتاح على نظام الأسد، كشرط لا بدّ منه لحل مشكلة اللجوء السوري، كانت دمشق تلهث وراء تعويم نفسها إقليميًّا.
وعلى الرغم من أنّ الكثيرين كانوا يدركون أنّ انفتاحًا مماثلًا لن يقدّم أو يؤخّر، فإنّ لبنان ومعه الدول العربيّة حققوا له ما يريد، فكانت عودة النظام السوري الى جامعة الدول العربيّة وإعادة وصل ما انقطع دبلوماسيًّا وسياسيًّا بينه وبين عدد من الدول المفاتيح في الإقليم.
ولكنّ هذا الإنفتاح باعترافات كثيرة بينها الأردنية والإماراتيّة لم تحقق المبتغى، إذ إنّ النظام السوري لم يشرّف تعهّدًا واحدًا قطعه على نفسه، في مقابل الإنفتاح الذي تنعّم به دعائيًّا، فتفاقمت الأزمات. إنّ تهريب المخدرات الى الأردن ومنه الى الأسواق الخليجيّة، بدل أن يتوقف، تضاعف، وأزمة النزوح من سوريا الى دول الجوار، وفي طليعتها لبنان “الفالتة حدوده” إلى فوق قدرة الجيش اللبناني، تفاقمت!
وبعدما انتهت صلاحيّة “وصفة” الإنفتاح على سوريا، إنتقل الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله، وفق مضامين خطابه أمس، إلى تقديم “وصفة” جديدة، إذ يريد أن تتحوّل القوى اللبنانيّة الى جهاز دبلوماسي يعمل في الولايات المتحدة الأميركية لمصلحة النظام السوري ضد “قانون قيصر” على اعتبار أنّه يتسبّب بأزمة اقتصادية تحول دون قدرة النظام على استيعاب عودة اللاجئين، من جهة والحد من موجتها الجديدة، من جهة أخرى.
ولم يكتفِ نصرالله بهذا الطرح، إذ دعا، ومن أجل توفير عناصر ضاغطة، إلى “ابتزاز” الإتحاد الأوروبي، باستدعائه الى خدمة رفع القيود عن النظام السوري، تحت طائلة إغراقه بموجات مهاجرين جديدة، مصدرها لبنان.
وعلى عادته، لا يقيم نصرالله اعتبارًا لمصلحة لبنان العليا في ما يقدّمه من طروحات تهدف أوّلًا وأخيرًا الى خدمة المحور الذي ينتمي إليه، إذ إنّ لبنان، في حال تحوّل إلى جهاز دعائي لدى الولايات المتحدة الأميركية سوف يخسر قنواته من دون أن يحقق أي نفع يذكر، بدليل أنّ دولًا أهم من لبنان بأشواط في قائمة التأثير الجغرافي والمالي والإقتصادي، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، لم تستطع أن تحقق خروقًا على هذا المستوى، ليس لأنّ واشنطن لا تقيم لها اعتبارًا، بل لأنّ النظام السوري نفسه غير مؤهّل لتحسين أدائه، لا على مستوى مكافحة المافيات التي تتحكّم بأرضه ولا على مستوى الإستعداد لتنفيذ الإصلاحات البنيويّة الواردة في القرار الدولي 2254.
والأدهى من ذلك أنّ نصرالله في القسم الثاني من طرحه يريد تحويل المؤسسات الرسمية اللبنانية الى “عصابة تهريب” رسمية، من خلال تلعيبها أدوار أساسيّة في فتح الأجواء اللبنانية والبحر اللبناني لتحويل اللاجئين فيه الى مهاجرين.
هو يعتقد بأنّ هذا السلوك سوف يدفع “الإتحاد الأوروبي” الى الخضوع للبنان، ومن خلال خضوعه للبنان، سوف يتحوّل حليفًا للنظام السوري في كسر “قانون قيصر” الأميركي.
ولكنّ هذا اللعب النظري مع الإتحاد الأوروبي، ينقصه الإهتمام بكثير من الفرضيات الخطرة، مثل توقيف منح اللبنانيّين سمات دخول إلى دول الإتحاد الأوروبي، وتوتير العلاقات مع قبرص وتونس، وتوقيف المساعدات الضرورية التي يتم توفيرها للجيش اللبناني وسائر الأسلاك العسكرية والمؤسسات الأمنية، ونقل لبنان من قائمة الدول الصديقة لإدراجه في قائمة الدول المارقة.
صحيح أنّ موضوع اللاجئين السوريّين في لبنان يحتاج إلى معالجة حقيقيّة، نظرًا لتداعياته السلبيّة على كل المستويات، لكنّ الصحيح أكثر أنّ هذا يقتضي صدقًا وطنيًّا مع الذات، إذ إنّ “حزب الله”، وعلى افتراض حسن النيّة، بدل أن يهدر الوقت في طلب الحلول من الآخرين، يمكنه المساهمة في تخفيف الأزمة، طالما أنّه المهيمن الحقيقي على المعابر غير الشرعيّة بين لبنان وسوريا، كما على مناطق سوريّة عدّة شهدت نزوحًا كاملًا.
والأهم من ذلك، يمكن ل”حزب الله” أن يساعد النظام السوري على إنقاذ نفسه، من خلال توقيف جماعاته عن تهريب المخدرات، والضغط على الأسد، من أجل اتخاذ خطوات إيجابيّة في اتجاه تنفيذ القرار 2254 ، بصفته العائق الأكيد الذي يحول دون تخفيف القيود العقابيّة ضدّه.
ولكنّ “بيت القصيد” يبقى في أن يتخلّى “حزب الله” عن طموحات الهمينة على القرار السيادي اللبناني، من خلال إسقاط “عناده” الذي يحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، خصوصًا وأنّ المساعي الدوليّة نجحت حتى الآن في تكوين أكثرية لبنانية لمصلحة مرشّح رئاسي من قائمة “الخيار الثالث” الذي يبدأ بقائد الجيش العماد جوزف عون ويمر بسياسيين وسطيّين ويصل إلى شخصيات مرموقة!
إنّ إعادة تأسيس السلطة في لبنان كفيلة باحتواء حقيقي لتفاقم أزمة النازحين السوريّين، لأنّ لبنان حاليًّا أرض مباحة لكل من يرغب، فلا دولة فيه ولا سلطة ولا مؤسسات ولا مسؤولين تحوز كلمتهم على الإحترام!