"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

نصرالله و"الصبر الإستراتيجي"

رئيس التحرير: فارس خشّان
الخميس، 4 يناير 2024

لم يتجاوز الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله “حدود الإنضباط الإستراتيجي” في أوّل موقف يتخذه بخصوص اغتيال القيادي الكبير في “حركة حماس” صالح العاروري، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.

ولم يكن “انضباط” نصرالله مفاجئًا، ليس لأنّ المحللين لم يجدوا أنّ هناك أي فسحة للتصعيد في إطار الحرب المفتوحة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانيّة- الإسرائيليّة فحسب، بل لأنّ “الحرس الثوري الإيراني” سارع أيضًا، وقبل ساعات من الإطلالة المبرمجة لنصرالله، إلى إصدار بيان أعلن فيه أنّ ” الصبر الاستراتيجي للمقاومة وحزب الله، لن يخرج عن إطار العقلانية والمنطق والنظر إلى متطلبات التغلب على محتلي القدس ومغتصبي فلسطين، متأثراً بالآمال والأحلام المشؤومة للكيان الصهيوني وداعميه”.

بطبيعة الحال، لم يكن ما ورد في بيان “الحرس الثوري الإيراني” بمثابة تعليمات علنيّة موجهة إلى نصرالله، بل كان، في الواقع غطاء لنصرالله في وجه ردود فعل محتملة يمكن أن تصدر ضد موقفه “التهدَوِي” على لسان قادة في “حركة حماس” التي ليس لديها من هو أقرب من صالح العاروري إلى “حزب الله” عمومًا ونصرالله خصوصًا، ولذلك كان قد بحث عن الحماية في مربّعه الأمني!

ولم تكن بريئة، في هذا السياق، إشارة بيان “الحرس الثوري الإيراني” الى إصدار توقعات بأن “يدخل المقاتلون الفلسطينيّون في الضفة الغربية بالمواجهة بجديّة أكبر”.

وعبارة “جدية أكبر” ليست بسيطة، إذ تعتبر بمثابة لوم ل”حركة حماس” على تقصيرها في الضفة الغربيّة التي تتعرّض منذ السابع من تشرين الأوّل الماضي لحصار غير مسبوق من الجيش الإسرائيلي ولعمليات يوميّة أدت، حتى تاريخه، إلى أكثر من ثلاثمائة قتيل وما يزيد عن خمسة آلاف معتقل، وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني.

وهدف هذا اللوم الإيراني غير المباشر ل”حركة حماس” في الضفة الغربيّة أن يحصّن الغطاء الإيراني للمواقف “التهدوية” لنصرالله، عقب اغتيال العاروري، إذ ليس المطلوب من “حزب الله” أن يذهب الى حيث لا تستطيع أن تذهب إليه “حماس” في مسقط رأس العاروري.

ومن يدقق في ما ورد في بيان “الحرس الثوري الإيراني” لجهة انضباط “حزب الله” في إطار العقلانية والمنطق، في الرد على اغتيال العاروري، يكتشف أنّ هناك خشية حقيقيّة من أن يكون إحد أهداف تنفيذ الإغتيال في الضاحية الجنوبيّة لبيروت يكمن في إحراج “حزب الله” من أجل إخراجه الى حرب كبيرة مع إسرائيل، ممّا يحقق ” الآمال والأحلام المشؤومة للكيان الصهيوني وداعميه”، وفق النص الحرفي للبيان الإيراني.

وبالفعل، فإنّه بعيدًا عن خطابات التحشيد المعنويّة التي يجيدها نصرالله، وقد حفلت بها الكلمة التي ألقاها أمس، فإنّ الحكومة الإسرائيليّة تبحث عن مخرج يعفيها من إلتزاماتها تجاه الولايات المتحدة الأميركية بترك موضوع مستقبل تواجد “حزب الله” على الحدود اللبنانيّة- الإسرائيليّة للضغوط الدبلوماسية، وعدم الإندفاع وراء توسيع الحرب، وفق ما يضغط من أجله سكان شمال إسرائيل النازحين عن بلداتهم ومنازلهم، ومعهم عدد من الوزراء في الحكومة وكبار القادة في الجيش الإسرائيلي.

وفي ظل تهميش نسبي لموضوع اغتيال العاروري، خصص نصرالله الجزء الأكبر من خطابه “الحربي” للرد على القوى الإسرائيليّة الضاغطة من أجل شن حرب واسعة على لبنان، مذكرًا بما يملك من قوة نارية تدميرية قادرة على إلحاق أذى كبير بالمربع السكني الأكثر كثافة في إسرائيل. وقد بدا نصرالله، على الرغم من المنحى التحشيدي، دفاعيًّا وليس هجوميًّا. وهو بذلك ضمّ اغتيال العاروري الى اغتيال رضي موسوي في سوريا ومقتل أكثر من 140 من مقاتلي الحزب في الجنوب الذين مع ضحايا قطاع غزة وسائر تنظيمات “محور المقاومة” يرسمون، وفق اعتقاده، بثبات، نهاية إسرائيل، وإعادة الأرض من البحر الى البحر الى الفلسطينيّين.

وهذا المنحى يُعتبر بمثابة خبر سعيد للبنانيين الذين يعيشون، في كل مفصل من مفاصل حرب “طوفان الأقصى”، حالة هلع من حرب واسعة، تجر عليهم الموت والدمار ليضافا الى أوضاع الفقر والحاجة والتهجير التي تضغط عليهم، منذ انهيار لبنان ماليًّا واقتصاديًّا، في خريف العام 2019.

في المقابل، لم تكن إسرائيل بحاجة الى أكثر ممّا قدمه لها نصرالله، من أجل استغلاله، فهو بالإضافة الى تأكيد انضباطه في الإطار الحالي للحرب الحدوديّة، مهما فعلت إسرائيل ضد التنظيمات الفلسطينية في لبنان ورموزها، أعطاها الدليل على صحة مكوّنات الدعاية السياسيّة التي تعتمدها للإمتناع عن وقف الحرب ضد قطاع غزة والعمليات العسكرية في الضفة الغربيّة، إذ إنّ عدم تحقيقها انتصار واضح ضد “حركة حماس” من جهة وعدم إبعاد “حزب الله” عن حدودها مع لبنان، من جهة أخرى، يجعلها في خطر الفناء الذي أجاد الأمين العام ل”حزب الله” في سرد “اسبابه الموجبة”.

وهكذا، فإنّ نصرالله لم يبخل لا على بنيامين نتنياهو ولا على يوآف غالانت ولا حتى على أيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ب…الحجة!

المقال السابق
اغتيال المسؤول العسكري لفصيل عراقي موال لإيران بعد يوم من تهديده من إيران بإعادة "الأميركيين جثثًا متعفّنة"
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

خطِر أن يكون نصرالله قائدك!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية