لم يخرج الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله في كلم ة ألقاها، بعد ظهر اليوم في “الحفل التكريمي للجرحى والأسرى المقاومين” عن الخط الإستراتيجي المرسوم، بالإتفاق مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران: الصبر!
وأعلن تمسكه بوقف المواجهات على الجبهة الجنوبية بمجرد وقف الحرب في قطاع غزة، ورد على وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي كان قد أعلن أنّ الجيش الإسرائيلي لن يوقف عملياته على الجبهة مع لبنان إذا توقفت في غزة وقال له: نحن سنوقف الحرب فور توقفها في غزة، وإذا استمريتم سوف يكون لنا الرد الملائم. وبعد هذا الكلام الذي بدا ركيكًا، إستدرك نصرالله ورفع صوته وقال بنبرة تحدّ: : تحضر إذن لهجرة مليوني إسرائيلي من شمال فلسطين المحتلة.
وسخر من الموفدين الدوليين الذين يأتون الى لبنان وقال إنّ هؤلاء يكتفون بنقل الرسائل الإسرائيليّة لأنّ همهم الوحيد هو أمن إسرائيل، ونسب الى أحد الموفدين، من دون تسميته أو التلميح اليه، تهديده قبل شهر بأنّ إسرائيل في حال لم يرضخ “حزب الله” ستبدأ حربها بعد يومين.
واعتبر نصرالله أنّ هؤلاء الموفدين يتجاهلون الحرب في غزة وحقوق لبنان ويركزون حصرًا على أمن إسرائيل.
وقدم نصرالله “المقاومة” كأنها حققت انتصارًا وطالب من الدولة اللبنانية أن تتشدد في مفاوضاته مع المبعوثين الدوليين وقال إنّ عليها ألّا تكتفي بطلب تطبيق القرار 1701 بل يجب أن تضع مطالب إضافية.
وبدا واضحًا أنّ آمال نصرالله من أن يحصد “حزب الله” انتصارًأ تفاوضيًّا بنتيجة التورط في حرب غزة قد خابت، فهو سبق أن وعد بأنّ هذه الحرب سوف تعيد مزراع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء المحتل من الغجر الى لبنان وسوف تلغي الخروقات على طول الحدود اللبنانيّة، ولكن وفق ما قدمه من خلاصات عمّا يحمله الموفدون الدوليون، فإنّ الشيء الوحيد الذي يقدمه هؤلاء باسم إسرائيل وقف التوتر الحدودي تجنّبًا لحرب تدميريّة.
ولم يستطع نصرالله عملًا بقواعد “عدم وجود حتميّات في السياسة” أن يجزم بعدم حصول حرب، ولكنّه بدا مطمئنًا الى أنّ الحرب لن تحصل.
وعدم حصول الحرب، وفق ما يظهر من أدبيات نصرالله، ليس بسبب ما لا يمكن أن تقدم عليه إسرائيل بل بسبب ما لن يقدم عليه “حزب الله” نفسه.
وبدا واضحًا أنّ “حزب الله” اتخذ قرارًا بالإكتفاء برد متناسب على كل خطوة تصعيدية تقوم بها إسرائيل، ولكنّه لن يذهب أكثر من ذلك.
وقد قدّم “حزب الله” أمثلة على مفهوم هذا التناسب بنوعية ردوده الإنتقامية على الإغتيالات التي استهدفت قياداته في الجنوب وقيادات “حماس” في بيروت وإقليم الخروب.
ودعا جمهوره الى عدم الدخول في أي سجال مع “فئة ميؤ وس منها” تعتبر “المقاومة” لا لزوم لها، حتى عندما يثبت لها العكس.
ونصرالله الذي طالما دعا الى الحوار لحل الأمور التي يعارضه فيها الآخرون، وصف الحوار مع جميع من يعتبرون أنّ لا جدوى من وجود المقاومة بأنّه تضييع للوقت لأنّ هؤلاء “ميؤوس منهم”، إذ بالنسبة لنصرالله موضوع استمرار المقاومة أمر مفروغ منه.
وحاول نصرالله إيجاد فوائد لفتح “جبهة لبنان” في ضوء ثبات عدم جدواها بالنسبة لقطاع غزة، فقال إنّ مصلحة لبنان تكمن في إسرائيل مردوعة ومنهكة وضعيفة، وقال إنّ المقاومة أثبتت جدواها، إذ إنّ إسرائيل كانت سابقًا ترد على أي كاتيوشيا يستهدف أراضيها بقصف بيروت، وهي الآن لا تجرؤ على ذلك، على الرغم من العمليات اليومية التي تستهدفها.
وعوّض نصرالله عن تجاهله للإستهدافات الإسرائيليّة خارج الجنوب ( الضاحية فجدرا) بتحويل منبره الى مصدر للرد على ما ينشره ناشطون على وسائل التواصل الإجتماعي، فشتم البعض منهم، ولا سيما هؤلاء الذين سبق أن حددوا مواعيد لبدء الحرب.
وتحوّل نصرالله من صاحب موقف الى موجه ميداني، بحيث بدا أنّه يعزو الخسائر في صفوف مقاتليه الى عدم تخليهم عن “العميل القاتل” أي الهاتف الخلوي، ودعا الى التخلي عنه حتى إشعار آخر.
كما دعا نصرالله إلى عدم “تطييف” السجال حول المقاومة، بحيث يتم تحويل النقاش الى تراشق طائفي، وقال إن أعداء إسرائيل هم من جميع الطوائف، بدليل هؤلاء الذين كانوا في المعتقلات الإسرائيلية، وعملاءها أيضًا، بدليل هؤلاء الذين كانوا في “جيش لحد”.
ولم يتمكن نصرالله من تحييد الدول الخليجية من هجومه وإن كان قد اكتفى بالتلميح الى تلك الدول التي لم تدخل تعديلات في ضوء مآسي غزة على مهرجان الغناء والرقص، وقال إن الجميع سوف يسأل عمّا قدمه لغزة في “يوم القيامة”.
باختصار… هذا الخطاب الخامس لنصرالله منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وهو، بدل أن يكون أكثر وضوحًأ وتركيزًا بدا أكثر وهنًا وتيهًا.