توقيت التهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله لقبرص ليست “تقنية” بل بسيكولوجية، مثلها مثل بث فيديو “الهدهد” الذي يصور مناطق عدة في شمال إسرائيل، مع تركيز على حيفا ومرفئها.
لو كان لـ “فيديو الهدهد” أهمية عسكريّة لبقي مخفيًّا، لأنّ التمهيد للحرب مملوء بالحِيل، لكنّ أبعاد هذا الفيديو نفسية بحتة.
وهذه هي حال التهديد الموجّه إلى قبرص. نصرالله يريد أن يقول إنه، في حال شُنّت على حزبه الحرب، فهو سيحوّلها إلى حرب عالمية، لأنه بذلك سوف يجرّ الاتحاد الأوروبي - وقبرص من دوله السبع والعشرين - إلى المعترك، كما سوف يجرّ حلف شمال الأطلسي لأن لبريطانيا قاعدة جوية في الجزيرة المتوسطية، منها تنطلق العمليات ضدّ الحوثيين، حلفاء نصرالله في “جبهة المقاومة”!
وهكذا، تُضاف جبهة الشرق الأوسط إلى جبهة أوروبا المفتوحة في أوكرانيا بين الغرب من جهة و”الشرق” بقيادة روسية، من جهة أخرى.
لماذا يرفع نصرالله من مستوى التهديد؟
لأنه مذعور!
المذعور، وفق خلاصات علماء السياسة، في حال كان يعتمد عقيدة القوة، لا ينكفئ، بل يهجم إلى الأمام. ينقل حالته إلى الآخرين، علّهم يصابون بالقلق، فيساهمون في سحب عوامل الخطر!
لكن ما دواعي هذا الذعر؟
الرسالة التي حملها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وفق ما كشفت إذاعة “كان” العبرية، خطرة للغاية. فالولايات المتحدة الأميركية، في حال لم يقبل “ حزب الله” تنفيذ القرار 1701 وفق خارطة الطريق الأميركية، سوف تدعم عملية إسرائيلية ضدّه.
هذه الخطة العسكرية التي سبق أن اطلع هوكشتاين على حيثياتها في اجتماع مطوّل عقده في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهي حاليًا محور تدقيق في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، مع وفد رسمي إسرائيلي مؤلف من مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، هي خطة تركّز على استهداف البنية التحتية لـ”حزب الله”، على امتداد لبنان، من دون أن تشمل البنية التحتية للدولة اللبنانية.
وليس سرًّا أن البيت الأبيض كان قد استقبل قبل أسبوع وفدًا من سكان شمال إسرائيل، جال أيضًا على مجموعات في الكونغرس الأميركي. حمّل هؤلاء الإسرائيليون المستوى السياسي في الولايات المتحدة الأميركية مسؤوليّة التهجير والدمار والحرائق التي يتسبّب لهم بها “حزب الله”، على اعتبار أن البيت الأبيض يمنع الجيش الإسرائيلي من القيام بما يلزم لإعادة الهدوء والأمان والاستقرار إلى مدنهم، وبلداتهم وقراهم ومزارعهم.
وما كشفته “كان” الإسرائيلية، عاد وتحدث مسؤولون أميركيون عمّا يتقاطع معه، لشبكة “سي أن أن”، وقال مثله مسؤولون لبنانيون نقلوا عن “حزب الله” إنه على اطلاع بأن إسرائيل تُضمر خطة لتوسيع الحرب ضدّه.
وهذه الحال تتناقض و”الحدود” التي رسمها “حزب الله” لـ”جبهة المساندة”. فهو، منذ اليوم الأول لانضمامه المبكر إلى “طوفان الأقصى”، لا يريد توسيع المناوشات على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية. وهذا ما يفسّر اعتماده حرفيًّا ما أطلق عليه مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي اسم “الصبر الإستراتيجي”.
هدف “حزب الله” محصور بدعم غزة، لكنه وجد نفسه مضطرًّا إلى توسيع رقعة استهداف شمال إسرائيل، في محاولة منه لتخفيف اندفاعة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مخطط اغتيال قيادات “المقاومة الإسلامية في لبنان” ومقاتليها الميدانيين، بعدما عجزت كل وسائل الحزب الاحترازية عن منع هذا النزيف الحاصل في بنيته البشرية الأساسية.
لكن إسرائيل رفضت الخضوع لمعادلة القصف العنيف مقابل الاغتيالات، لأّنها معادلة بدأتها إيران بعد استهداف قيادة “فيلق القدس” في القنصلية الإيرانية في دمشق، ولذلك تقدّم التهديد بتوسيع الحرب إلى مستويات غير مسبوقة.
ولا يعتقد “حزب الله” أن الخطة التي حملها هوكشتاين إلى لبنان “مناورة دبلوماسية”. هذه المرّة، هو مقتنع بأنه “تحذير جدّي”.
ولأن “حزب الله” خائف، فمن جهة لن يرضى بالخطة الأميركية الخاصة بتطبيق القرار 1701، ومن جهة أخرى أطلق حربه النف سية، فكشف عن “الهدهد” ورفع الصوت ضدّ قبرص التي يتدرّب فيها الإسرائيليون منذ سنوات ضدّ مناطق بتعرجات شبيهة بمناطق انتشار الحزب، ويستعملها البريطانيون لاستهداف حوثيّي اليمن، ويوقف أمنها ما يسمّيه خلايا “تخريبية” تابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني”، هدفها استهداف “الإسرائيليين واليهود”.