ربّم ا، هي المرة الأولى التي يخرج فيها الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله بخطاب متوازن صيغ بلهجة هادئة، رغم بعض العبارات العالية النبرة التي تدغدغ مشاعراصحاب القبضات المرفوعة والهاتفة ” لبيك نصر الله “.
أيضًا، هي المرة الأولى التي يبني فيها نصرالله خطابه “التعبوي” على الوقائع السياسيّة والدبلوماسيّة والميدانيّة ليرسم لجمهوره وللعالم خارطة طريق لا تؤدي إلى الحرب والمواجهة الشاملة الأمر الذي يريح اللبنانيين بخاصة والمنطقة والعالم بوجه عام ولو كان الثمن تمكين آلة الحرب الاسرائيلية من تدمير “حماس” ومساواة غزة بالأرض.
أمّا وقد وصلنا إلى هذه النتيجة، فماذا عن العناصر التي تضمنها الخطاب وما هي المعطيات التي أملت على زعيم حزب الله الذهاب إلى ما ذهب اليه ؟
بداية استهلّ نصرالله خطابه بنفي المؤكد حين قال إنّ لا ايران ولا حزب الله ولا احد كان على معرفة مسبقة بعملية طوفان الأقصى، رغم إعلان الحزب أكثر من مرة كذلك ايران عن وجود غرفة عمليات مشتركة لما يسمى محور المقاومة. ومنذ اقل من اسبوعين نشر اعلام “حزب الله” صورة لنصرالله مجتمعًا بمسؤولَين رفيعَين من “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، فهل كان الاجتماع مخصصًا للتباحث في الحرب على اوكرانيا ؟
المرجح أنّ هذا النفي جاء ب مثابة رسالة تطمين موجهة من إيران إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنّها ليست مسؤولة بالمباشر عن حرب “حماس”، ورسالة تطمين ثانية ومماثلة من “حزب الله” مفادها إنّنا لسنا بوارد فتح جبهة قتال ثانية في جنوب لبنان مماثلة لتلك التي تخوضها إسرائيل في جنوبها.
في الواقع لا مصلحة لأيران في الدخول بحرب مع إسرائيل وهي منهمكة بمقايضة امريكا الملف النووي بأموالها المحتجزة والمجمّدة، وهي بالمليارات، ولا مصلحة ل”حزب الله” بخوض مواجهة مفتوحة وغير متكافئة مع إسرائيل تهدد مباشرة مصالحه السياسية والمادية في لبنان، بعدما استكمل هيمنته على البلد بشكل كامل، كما لن يخاطر بتدمير الجنوب والضاحية والبنى التحتية فيما هو عاجز كما ايران عن دفع كلفة إعادة الأعمار.
استهلّ نصرالله خطابه بنفي المؤكد حين قال إنّ لا ايران ولا حزب الله ولا احد كان على معرفة مسبقة بعملية طوفان الأقصى، رغم إعلان الحزب أكثر من مرة كذلك ايران عن وجود غرفة عمليات مشتركة لما يسمى محور المقاومة
باعتقادي إنّ نصرالله لم يكن راغبًا في القاء الخطاب، ليتجنّب إسماع انصاره ومريديه ما يرغبون سماعه، لكنّ مرور ثلاثة اسابيع على اندلاع الحرب في غزة وحجم الدمار وارتفاع عدد الضحايا بشكل مخيف مضافًا إلى التجييش الأعلامي الذي احاط بعمليات المقاومة في الجنوب، ألزمه بأن يخرج لمصارحة جمهوره اوّلًا واللبنانيين ثانيًا والعالم ثالثًا بأنّه لن يكون المبادر إلى فتح الجبهة الجنوبية على مصراعيها، وبأنّ مجاهديه سيكتفون بالرد المتدرج.
كان الجميع يدركون أنّ النتيجة التي خلص نصرالله إليها لا تتناسب مع شعارات الحزب التي تعد الفلسطينيين والعرب بالجهاد حتى بلوغ الأقصى والصلاة في محرابه!
لقد تجنب نصرالله تجرع” كأس السم” التي كان آية الله الخميني قد أعلن عن اضطراره على تجرّعها، عند موافقته على وقف الحرب العراقية الأيرانية في العام 1988، فالرجل واقعي رغم لجوئه إلى إعلاء صوته ورفع سبابته وغيرها من عدة الشغل!
الواقعية كما المصلحة تقضيان بأن يبلغ الأمريكيين أنّ المرور بالضاحية الجنوبية وليس بسواها هو السبيل المتاح لإنجاز تسوية سياسية في لبنان ، وأنّ المرور ببازار طهران وليس سواه هو الكفيل بضمان المصالح الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة.