الحرية تكون أو لا تكون. لا تتجزأ، لا حياد فيها، ولا مواربة. وقد تودي المواجهة الشرسة فيها الى الموت. في العالم أمثلة كثيرة، ونماذج مضيئة عن كفاح من أجل الحرية.
في الذكرى الثامنة عشرة لاغتيال جبران تويني، في جريمة منظمة في 12 كانون الاول 2005، ومع ازدياد قتل الصحافيين سواء في جنوب لبنان، أو في غزة، أو في مناطق أخرى ساخنة في العالم، لا بدّ من التوقف عند محطات اساسية في دفاع جبران تويني عن الإعلام والاعلاميين وعن حرية التعبير في كل مكان في العالم.
الذين كانوا يعرفونه من قرب، يدركون جيداً اندفاعته الدائمة للمحافظة على حرية التعبير وسموّ الرسالة الصحافية. والاستذكار لا يعني “تربيح جميلة” وفق التعبير اللبناني، بل ان جبران، والدي، لم يكن من هذا النوع، بل كان يخجل عندما كان أحدٌ ما يوجّه له الشكر على موقف جريء اتخذه، اذ كانت الجرأة في صلب شخصيته، ولم يكن من دونها ما كان عليه. لذا وسّع اهتمامه ودفاعه عن حرية التعبير، الى العالم، عبر نشاطات دولية مع الاتحاد العالمي للصحف الذي شغل منصب مستشاره لشؤون الشرق الاوسط.
عندما قررت سلطة الوصاية السورية مع سلطة محلية من صنيعتها إقفال محطة “ام تي في”، ارتفع صوت جبران عاليا، واعتبر ان “النهار” هي منبر التلفزيون، يقول فيها اهله ما يشاؤون، في مواجهة سلطة ظالمة.
وعندما حاولت السلطة اضطهاد محطة “الجديد” كان جبران تويني من أول المدافعين عنها، ووقف الى جانبها، معتبراً ان الكلمة تقارَع بالكلمة وليس بسدّ الافواه.
والاهم انه تجنّد للدفاع عن قناة “المنار”عندما تعرضت للاعتداء رغم كل التحريض عليه وعلى مواقفه من جانب تلك القناة.
ويوم سُجِنَ صحافيّ، لم يكن في عِداد أسرة “النهار”، تبنّاه وأعلن انه موظف وأوكل محامين للدفاع عنه، ثم ساعده الى الخروج الآمن من لبنان الى باريس.
ولدى اغتيال الزميل في اسرة “النهار” سمير قصير، أقام جبران تويني الدنيا ولم يقعدها، متقدماً التحركات للمطالبة بكشف هوية المجرمين، المعروفين بالانتماء السياسي، لا بالاسماء.
ولا يزال المتابعون يذكرون كيف تحدى بأعلى صوته الذين حاولوا قتل مي شدياق، وكانت آنذاك ترقد بين الحياة والموت، داعياً اياهم الى تجنيب الاعلاميين القتل، والتوجه الى السياسيين، وكان قد صار نائبا في المجلس. وقال: “تعو قتلونا واتركوا الاعلاميين وشأنهم. هم ينقلون الخبر والموقف والتحدي لكننا نحن الذين نصنع هذا التحدي”.
ولو كان جبران حياً اليوم، لدافع عن الاعلاميين في وجه القتلة، الى اي وسيلة اعلامية أو خط سياسي انتموا، لانه كان مقتنعاً بما يصرح ويكتب، بان الحرية لا تتجزأ، وان الدفاع عنها يكون كاملاً أو لا يكون.
لعل الذكرى تفيد، وتشكل درساً لمن يتبارون في اعلان دفاعهم عن الحرية وهم لا يفهمون معناها، اذ يعتبرون أن ما يجوز لهم لا يجوز لغيرهم، وأن آراء هم هي الصحيحة وكل ما عداها عمالة.
النهار