في حال قررت الحكومة اللبنانية أن تعوّض على المتضررين من العمليات الإسرائيلية المستمرة في الجنوب، وفق “التسعيرة” التي تحدث عنها مجلس الجنوب، أي عشرين ألف دولار لعائلة كل شهيد وأربعين ألف دولار لصاحب كل منزل مدمّر، فهذا يعني أنّ على الخزينة العامة أن تؤمن ما يوازي مليار دولار أميركي لتتمكن من تغطية المطلوب منها، حتى تاريخه فقط، إذ إنّ الفاتورة ترتفع يومًا بعد يوم، بفعل استمرار “العمليات الحربية”.
وقد أثار هذا الإحتمال غضبًا عارمًا في لبنان، انطلاقًا من أنّ “حزب الله”، وبتقدير حصري منه، قرر أن يفتح حربًا ضد إسرائيل، إحياء لمعادلة “وحدة الساحات” التي تقف وراءها الجمهورية الإسلامية في إيران.
ووفق المع ارضين، فإنّ الشعب اللبناني لم يعد قادرًأ على تحمّل الخسائر التي يلحقها به “حزب الله” من أجل أجندة خارجية، وبالتالي فهكذا تعويضات يجب أن يوفّرها هذا الحزب وراعيه الإيراني، حصرًا!
وهذا المنطق المعارض لتكبيد الخزينة العامة كلفة التعويضات فيه الكثير من المنطق، إذ إنّ الدولة اللبنانيّة يجب أن ترتد على الجهة التي ورطتها في مشروع لا علاقة لها به، وفيه أيضًا الكثير من “الغضب” إذ إنّ “حزب الله” لا يقيم أدنى اعتبار لرأي من يفترض بهم أن يكونوا شركاء في الغنم والغرم، فهو يفعل ما يشاء ويفرض على الآخرين أن يفعلوا له هم أيضًا ما هو يشاء، كما لو كان “فتوّة” أو “بلطجيًّا”!
ولكن هل يجب حقًا أن تترك الدولة اللبنانية أبناء الجنوب وحيدين في محنتهم؟
من موقع الرافض لنهج “المقاومة الإسلامية في لبنان”، لا نعتقد بصحة أي توجه سلبي، إذ على الدولة أن تتحمّل مسؤولية ما يحصل لشعبها، سواء تمّ ذلك بإراتها أو عنوة عنها، وبالتالي عليها، فعلًا، أن تبذل جهودًا لتوفير أموال التعويض وإعادة الإعمار.
ولكن لا يفترض أن يحصل ذلك من دون قيد أو شرط، إذ إنّ الدولة، وقبل أن تدفع التعويضات لمواطنيها، عليها أن تكون دولة، وهذا يعني عليها قبل أن تحرر شيكًا واحدًا، أن تستعيد سيادتها وأن تفرض نفسها كصان عة القرار.
وبما أنّ ذلك لن يحصل، فعلى هذه الحكومة، حتى لا تحدث شرخًا جديدًا في البلاد، أن تضع معايير تُهدي نظرتها الى ما يحدث في الجنوب اللبناني، فليس جميع الشهداء هم شهداء لبنان. المدنيون هم كذلك، أمّا شهداء “المقاومة الإسلامية في لبنان” فليسوا كذلك، لأنّهم، وعن سابق تصور وتصميم، وضعوا مصيرهم بيد “حزب الله” وقرروا أن يكونوا في خدمة أهدافه، من دون نقاش، وعلى قاعدة “التكليف الشرعي”.
وما يصح على الشهداء يصح أيضًا على المنازل، بحيث إنّ المنازل التي كان يستخدمها مقاتلو “المقاومة الإسلامية في لبنان”، سواء للإيواء أو للعمليات، ليست من مسؤولية الدولة الملزمة بالقرار 1701 الذي يمنع وجودهم في المناطق التي ينشطون فيها حاليًّا، بل هي من مسؤولية “حزب الله” حصرًا، وعليه أن يتكفل بالتعويضات، وفي حال أراد إلزام الدولة بذلك عليه أن يقبل المساءلة والمحاسبة، لأنّه تجاوز حدود القانون والدستور.
إنّ مشكلة لبنان وشعبه وخزينته، ليست مع الأبرياء الذين يسقطون في الحروب، بل مع دولة عاجزة عن منع حزب مرتبط بأجندة خارجية من أن يقوم بأدوار ليست في مصلحة لبنان ودولته وشعبه!
نعم لدولة تدفع التعويضات على مستحقيها، عندما تقرر أن تستعيد نفسها من خاطفيها!