أن يدفع الجيش اللبناني ضريبة الدم في الجنوب، حتى في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، فهذا بديهي، لأنّ في الحروب هناك دائمًا “ضحايا جانبيّين”!
وأن تعتذر إسرائيل عن استهدافها بالخطأ أحد مواقع الجيش اللبناني، فهذا ليس فضيلة، فهي، في خطوتها تلعب على “حبلين”، أوّلهما التلميح الى أنّ “حزب الله” استهدفها من نقطة تتماهى مع موقع الجيش اللبناني، في تذكير بالإستياء السابق الذي كانت قد أبدته قوات “اليونيفيل” حين أصابت النيران الإسرائيليّة أحد مواقعها، إذ نددت باستعمال “حزب الله” نقاط تتماهى مع هذا الموقع لاستهداف وحدات الجيش الإسرائيلي، وثانيهما، إفهام الرأي العام اللبناني، ولا سيّما منه المستاء من فتح الجبهة اللبنانيّة-ال إسرائيلية، خدمة لأجندة إقليمية، بأنّ إسرائيل ليست، حاليًا، في حرب مع لبنان، إنمّا هي في وضعية “الدفاع عن نفسها” من هجومات “حزب الله”.
وإذا كان كل ذلك قابلًا للنقاش والأخذ والرد، فإنّ مسألة واحدة لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام، وهي إعلان “حزب الله” أنّه قصف موقع إسرائيلي ردًّا على استهداف موقع للجيش اللبناني.
إعلان “حزب الله” هذا شكل إهانة للبنانيين عمومًا وللجيش اللبناني خصوصًا، فمنذ متى تدافع ميليشيا عن القوات المسلّحة العسكريّة؟
الميليشيا، في أفضل الأحوال، يفترض أن تقدّم الدعم للجيش في حرب يخوضها هو وتقررها المرجعيات الدستوريّة المختصة، وليس أن ترد، بالنيابة عنه، كما لو كان فاقد الحيل والقدرة والحيثيّة، مثله مثل أيّ مدني في الجنوب اللبناني.
إنّ “حزب الله” فقد، منذ إقحامه لبنان في حرب “طوفان الأقصى”، تحت راية “تلاحم الساحات” الإيرانيّة، كلّ حياء، فهو لا يكتفي بفرض “اجندته” على الجميع، بل يتصرّف كما لو كان هو سيّد الجميع: السلطة الدستوريّة، الجيش اللبناني، الشعب اللبناني، السياسة الخارجيّة، التحالفات العسكرية، إنشاء ميليشيات جديدة، تارة تجت راية فلسطين وتارة أخرى تحت راية التنظيمات الدينية.
وهذه ليست ملاحظات هامشيّة بل هي أسس لصراع كبير يتم تحضيره للبنانيّين لمرحلة ما بعد “طوفان الأقصى”، حيث سيحاول “حزب الله” تكريس همينته الحاسمة على الشعب والجيش!