نظمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالتعاون مع مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأمريكية، فعالية على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، برعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وقطر، تحت عنوان “12 عاماً من المعاناة: البحث في انتهاكات حقوق الإنسان وفرص المحاسبة في سوريا”.
وتمت الفعالية بمشاركة القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان، الولايات المتحدة الأمريكية إيرين باركلي، والسفيرة المتجوّلة عن مكتب العدالة الجنائية العالمية، الولايات المتحدة الأمريكية وبيث فان شاك، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية في مكتب شؤون الشرق الأدنى، الولايات المتحدة الأمريكية وإيثان جولدريتش، ومدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المملكة المتحدة ستيفن هيكي، ومفوضة الحكومة الفدرالية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدة الإنسانية، ألمانيا لويس آمستبيرغ، والسفيرة المتجوّلة لحقوق الإنسان، فرنسا ديلفين بوروين، ومدير إدارة الشؤون الأمريكية، قطر المستشار المهند علي حسن الحمادي، إضافة إلى لينيا أرفيدسون من لجنة التحقيق الدولية في سوريا COI، وفضل عبد الغني، المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وناقشت الفعالية في 21 أيلول الحالي، الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي يتعرّض لها السوريون وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم جهود تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات. كما ناقشت أيضاً قضايا النزوح واللجوء والإخفاء القسري.
الخارجية الأمريكية: انتهاكات فظيعة
القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأمريكية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان، إيرين باركلي، بدأت كلمتها بتذكير بمرور أكثر من 12 عاماً على القمع المستمر لمطالب السوريين بالديمقراطية والكرامة، وأشارت إلى أنه عند الحديث عن انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان بأنواعها من قتل خارج نطاق القانون، وقتل تحت التعذيب، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، وغيرها فإنها لم ترتكب في السنوات الأولى من النزاع في سوريا فقط، بل يستمر النظام السوري بارتكابها حتى اليوم.
وذكرت أن “على الرغم من ادعاء بشار الأسد الترحيب بعودة اللاجئين من دول الجوار، من الواضح أن الظروف لعودة آمنة وكريمة للنازحين لا تزال غير متاحة” مشيرةً إلى أن “النازحين قسرياً يواجهون العديد من الانتهاكات عند العودة لمناطقهم حتى في حالات وجود اتفاقات التسوية، كما أن العديد لا يستطيعون العودة بسبب الدمار الشديد أو مصادرة ممتلكاتهم”. كما ذكرت باركلي أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت اعتقال ما لا يقل عن 112 مدنياً من العائدين بينهم أطفال وسيدات منهم 24 تعرضوا للإخفاء القسري خلال عام 2023 فقط.
وأضافت أن السوريين لا يزالوا يتعرضون للعديد من الانتهاكات وأن حلفاء النظام السوري يستمرون بحمايته من المحاسبة، وأكدت أن “الولايات المتحدة الأمريكية سوف تستمر في دعم ومساندة الشعب السوري، ولن تتطبع العلاقات مع النظام السوري وسوف تستمر في السعي لتحقيق الكرامة وحقوق الإنسان لكل السوريين”. كما رحبت بإنشاء الجمعية العامة للأمم المتحدة للآلية المستقلة للمفقودين في سوريا. واختتمت مداخلتها بالتأكيد على أنه يجب على المجتمع الدولي أن يجد طرق أفضل لدعم جهود محاسبة كافة مرتكبي الانتهاكات في سوريا.
وأكد نائب مساعد وزير الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية إيثان غولدريتش على التزام الولايات المتحدة تجاه تحقيق العدالة والمحاسبة في سوريا “استخدام الأسلحة الكيميائية، والقتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتشريد القسري هو جزء فقط من الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب السوري منذ أكثر من 12 عاماً”.
وقال غولدريتش “لا يمكن السماح لمرتكبي هذه الانتهاكات بالإفلات من العقاب” وأضاف “أن العدالة والمحاسبة هي أساس بناء السلام المستدام الذي يستحقه السوريون”. وفي هذا السياق أكد السيد غولدريتش على أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تستمر في بذل الجهود من أجل تحقيق المحاسبة، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات مع النظام السوري وسوف تستمر في دعم الشعب السوري في تطلعاته للحرية، لأن الشعب السوري لن يتوقف عن السعي لتحقيق مطالبه المشروعة، حيث يظهر ذلك جلياً في الحراك السلمي الذي يجري حالياً في درعا والسويداء. وأوضح أنه “لن يكون هناك رفع للعقوبات أو تطبيع للعلاقات حتى يتم التحرك الجدي والحقيقي ومستمر اتجاه حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254” واختتم مداخلته بالتأكيد على أن الولايات المتحدة سوف تستمر في السعي وفي دعوة حكومات الدول الأخرى للاستمرار بمقاطعة النظام السوري وأهمية هذه التحركات في سبيل تحقيق المحاسبة والعدالة للشعب السوري.
السفيرة الفرنسية: أهمية منع الإفلات من العقاب
ديلفين بوروين، السفيرة الفرنسية المتجوّلة لحقوق الإنسان، تحدثت بدورها عن استمرار النظام السوري بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا وارتكاب روسيا لانتهاكات مشابهة في أوكرانيا مؤكدةً أهمية منع الإفلات من العقاب، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وأوضحت أن “فرنسا ملتزمة محاربة الإفلات من العقاب في سوريا” مشيرةً إلى عمل فرنسا مع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) ومنظمات المجتمع المدني السوري كما رحبت بإنشاء الآلية المستقلة للمفقودين في سوريا. وأضافت أن فرنسا تتبعت جهود المحاسبة في المحاكم الدولية التي تجري في عدة دول مثل محاكمة كوبلنز، كما أنه ستجري محاكمة في فرنسا في أيار القادم.
وأكدت أن “وزارة الخارجية سلمت القضاء الفرنسي المئات من الصور والفيديوهات التي تشكل أدلة على ارتكاب الفظائع من قبل القوات الموالية للنظام السوري في مجزرة التضامن” كما قالت أن “فرنسا ملتزمة بإدانة استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ضد شعبه ولذلك دعمت قرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائي بإيقاف حقوق وامتيازات سوريا”.
وأشار مدير إدارة الشؤون الأمريكية في قطر المستشار المهند علي حسن الحمادي، في كلمته إلى أن دولة قطر تبذل الجه ود في سبيل تحقيق العدالة والمسائلة في سوريا وتدعم عمل آلية التحقيق الدولية والمستقلة (IIIM) وتحدث عن أهمية اتخاذ إجراءات لبناء الثقة حتى يتمكن النازحون قسرياً واللاجئون من العودة في ظروف آمنة وكريمة حقيقية، مؤكداً أن هذه الإجراءات يجب أن تكون “ضمن خطوات تقدم فعلي في سبيل تحقيق انتقال سياسي يتماشى مع مخرجات مؤتمر جينيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254 والتي تحقق أهداف وتطلعات الشعب السوري”.
كما أشارت مفوضة الحكومة الفدرالية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدة الإنسانية لويس آمستبيرغ إلى أن “انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال مستمرة في سوريا” وأضافت أن “نحن ثابتون على موقفنا بعدم التطبيع والعمل على إعادة البناء أو رفع للعقوبات بدون تحقيق تقدم حقيقي في عملية الانتقال السياسي” وذكرت أنه على الرغم من أنه وبعد 12 عاماً من الانتهاكات يستمر الإفلات من العقاب على الرغم من حجم التوثيق والأدلة المتوفرة إلى أن المحاكم الدولية بدأت بإجراءات المحاسبة ضمن صلاحياتها كما حصل في كوبلنز في ألمانيا، “الولاية القضائية العالمية أداة فعالة في تحقيق المحاسبة للانتهاكات الفظيعة المرتكبة في سوريا”.
واختتمت كلمتها بالترحيب بإنشاء الآلية المستقلة للمفقودين في سوريا، مؤكدةً على أهمية أن تبدأ الآلية عملها بأسرع وقت ممكن.
مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المملكة المتحدة ستيفن هيكي، قال في مداخلته “بعد 12 عاماً من الانتهاكات المستمرة يجب علينا أن نؤكد للشعب السوري أننا لم ننسهم وأننا نقف إلى جانبهم وسنبذل الجهود في سبيل تحقيق العدالة والمحاسبة” وأشار إلى أن: “ظروف العودة الآمنة والكريمة لا تزال غير متوفرة” وأكد أن “المملكة المتحدة لن تطبع العلاقات مع النظام السوري فالأمر الطبيعي الوحيد هو أن يتم محاسبة النظام السوري على قتله مئات آلاف السوريين”.
دور منظمات المجتمع المدني
وتحدثت لينيا أرفيدسون، من لجنة التحقيق الدولية، عن عمل لجنة التحقيق الدولية مشيرةً إلى دور منظمات المجتمع المدني السوري المهم لعمل اللجنة، حيث أشارت إلى أن تقرير اللجنة الذي سيصدر خلال اجتماعات الجمعية العامة سيذكر استمرار انتهاكات حقوق الإنسان من قتل خارج نطاق القانون واعتقال تعسفي وتعذيب وغيرها على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، كما أشارت إلى قيام قوات النظام السوري وروسيا بعمليات قصف على مناطق شمال غرب سوريا بعد أسبوع فقط من الزلزال المدمر الذي أصاب المنطقة في شباط من هذا العام. واختتمت أرفيدسون مداخلتها بالترحيب بالإجراءات المتخذة في محكمة العدل الدولية في لاهاي والتي ستنطلق الشهر القادم لمح اسبة النظام السوري على جرائم التعذيب المرتكبة.
وقالت عهد فستق من تحالف اتحاد الأديان في مداخلتها إن سيدات سوريا أظهرن الكثير من القوة والصمود في وجه الصعوبات والانتهاكات المرتكبة بحقهم على الرغم من إهمال المجتمع الدولي وتعرضن للعديد من الانتهاكات والاعتداءات على كرامتهم وعانو من الانتهاكات الجسدية والنفسية، وذكرت “أن السجون هي مقابر للمعتقلين داخلها لكنهم لا يستطيعون أن يرقدوا بسلام” وتتعرض النساء إلى حجم هائل من الانتهاكات وصل إلى استغلالهم للحصول على المساعدات الإنسانية مؤكدة أن “كل ذلك حصل بسبب تخاذل المجتمع الدولي في إزالة نظام الأسد من السلطة” وقالت السيدة عهد “في سوريا قابلت أم لثلاثة أطفال قالت لي: تعرض زوجي للاختفاء القسري في سجون النظام السوري، ولدي ثلاثة أطفال لن أدعهم يموتون من الجوع لأنهم يستحقون الحياة، حتى ولو كان الثمن جسدي” وأضافت أنه في ظل هذا الحجم من الانتهاكات والفظائع من الواضح أنه على منظمات المجتمع المدني أن تتحرك وتبذل الجهود لدعم المساعدات الإنسانية للنساء في سوريا. واختتمت مداخلتها بالتأكيد على أنه “على الرغم من كل ما تعرضن له من انتهاكات واعتداءات فإنهن لا يزلن صامدات بل لا يزال لديهن أمل بمستقبل أفضل”.
مدير «الشبكة»: توثيق عبر 13 عاماً
وقال المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: منذ قرابة 13 عاماً ونحن نوثق بشكل يومي حالات الاعتقال التعسفي في سوريا، قمنا ببناء قاعدة بيانات تفصيلية تتضمن قرابة 155 ألفاً ما زالوا قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري لدى جميع الأطراف، من بينهم 112 ألف مختفٍ قسرياً، 96 ألف منهم مختفين قسرياً لدى النظام السوري، أي أنه مسؤول عن 85٪ من حالات الاختفاء القسري، من بين المختفين قسرياً قرابة 5700 امرأة لدى النظام السوري.
وأشار إلى أن النظام السوري يقول إنه يصدر مراسيم عفو، لكننا عند مراجعة كافة مراسيم العفو التي أصدرها النظام السوري، فإن النظام السوري أفرج عن قرابة 7400 شخص فقط، وبقي 135 ألفاً. ولفت عبد الغني إلى أن “أخطر ما حصل في هذا الملف، أننا أثبتنا أن النظام السوري يقتل بشكل موسع المختفين قسرياً، ودون أن يبلغ عائلاتهم، حصلنا على قرابة 1200 بيان وفاة من مصدر داخل السجل المدني في الحكومة السورية، هذه البيانات لمختفين قسرياً لدى النظام السوري”.
كما أشار إلى أن “قبل أيام ألغى النظام السوري محاكم الميدان العسكرية، ولا نعتقد أن هذا الإلغاء بسبب القضية الهولندية الكندية في محكمة العدل، وإنما يأتي ضمن إطار تخلص النظام من م لف الاختفاء القسري”، وقد أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً حول محكمة الميدان وثقت فيها أن المحكمة قامت بإعدام قرابة 7800 مواطن سوري.
وبيّن عبد الغني وجود 110 حالة من حالات الإعدام موجودة ضمن بيانات الوفاة التي حصلنا عليها عبر السجل المدني، وهذا يؤكد أن النظام السوري يقتل المختفين قسرياً لديه، ولا يستطيع كشف مصيرهم أو الإفراج عنهم، لأن قسم كبير منهم قد قتل.