كشفت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقريرها السنوي بشأن حرية الصحافة عن تدهور ملموس لحرية هذه المهنة في عدد كبير من البلدان التي تناولها التقرير، حيث سجلت بعض الدول تراجعا ملحوظا بأداء مؤسساتها على مستوى احترام المؤسسات الصحفية وضمان استقلالية عملها وحريته.
وتضمن التقرير عددا من المفاجآت، حيث سجلت بعض الدول، من التي كانت رائدة في هذا المجال، تراجعا ملحوظا أثر مباشرة على عمل الصحفيين فيها.
بالنسبة لفرنسا، التي تعتبر الصحافة فيها من الثوابت الوطنية والمقدسات الاجتماعية والسياسية، وذكرت المنظمة في تقريرها أنها انتقلت من المركز 24 إلى المركز 21، محرزة تقدما بثلاث نقاط، وأرفقت التقييم بتحذير أنه مرتبط “بعدم تعرض حرية العمل الصحافي للتهديد بسبب الأوضاع السياسية، واليقظة تظل ضرورية”.
اليونان أحدثت تقدما بدورها هذا العام بـ19 نقطة، لتحتل المرتبة 88 من أصل 180 دولة شملها التقييم، لكنها تبقى الأخيرة ضمن تصنيفات دول الاتحاد الأوروبي خلف المجر وبولندا.
بدورها، تراجعت الولايات المتحدة 10 مراتب على سلم التصنيفات لتحتل المرتبة 55، متقدمة بدرجة واحدة على الغابون (المرتبة 56). ويشير تقرير “مراسلون بلا حدود” إلى أن انتهاكات حرية الصحافة في الولايات المتحدة التي تنامت منذ 2020، شهدت تراجعا كبيرا في وتيرتها، ولكن “هناك عقبات هيكلية في هذا المجال” خاصة في دولة تعتبر “نموذجا في حرية التعبير”.
“مفترس حرية الصحافة”
أما الدولة التي أثارت قلق المنظمة لناحية تدهور حرية العمل الصحافي فيها كانت الأرجنتين، حيث أنها منذ وصول الليبرالي المتشدد خافيير مايلي، خسرت البلاد الكثير من النقاط على سلم التقييم السنوي”.
وأشارت “مراسلون بلا حدود” إلى أن “الوضع مثير للقلق بشكل خاص في الأرجنتين”، التي يقودها “أحد المفترسين المعروفين لحرية الصحافة”.
أما إسرائيل، فتراجعت أربعة مراتب في تقرير المنظمة الصحفية لتحتل المرتبة 101، في حين احتلت الأراضي الفلسطينية المرتبة 157.
وانتقدت المنظمة بشدة سلوك السلطات الإسرائيلية و”تزايد الضغوط على الصحفيين في إسرائيل بعد اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023”.
كما انتقدت قتل الجيش الإسرائيلي لأكثر من 100 صحفي خلال الحرب، وقالت إن “حملات التضليل والقوانين القمعية تضاعفت في إسرائيل” منذ بدء الحرب.
موريتانيا الأولى عربيًا
وفي حين كانت فيتنام والصين وكوريا الشمالية في ذيل قائمة الدول لعام 2023، احتلت مكانها ثلاث دول جديدة هي أفغانستان وسوريا في المرتبة ما قبل الأخيرة، واحتلت إريتريا آخر القائمة.
عربيا، تصدرت موريتانيا الدول العربية والأفريقية في مجال حرية الصحافة، محتلة المركز 33 عالميا، على الرغم من تصنيف المؤشر منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط على أنها الأسوأ، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومن ثم أفريقيا.
ووفقا لتقرير “مراسلون بلا حدود”، سجل هذا العام انخفاضا قدره 7.6 نقاط في مجال حرية الإعلام والصحافة على مستوى العالم ككل، وهو ما يشير إلى أن “الصحافة وخطوط التحرير التابعة للوسائل الإعلامية تقبع تحت الضغط السياسي بما يفوق السنوات الماضية”.
وبحسب مراسلون بلا حدود “يتميز هذا العام بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لفرض مبادئ حماية الصحفيين، وخاصة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2222”.
الانتخابات وتحديات الذكاء الاصطناعي والتعتيم على المعلومات
ولفت التقرير إلى أن هذا العام يشكّل لحظة فارقة في الحياة السياسية حول العالم، إذ يحمل أكبر عدد من الانتخابات المُقررة، وهو ما يزيد من الضغوط السياسية على الإعلام، فغالبا ما تكون الانتخابات مصحوبة بأعمال عنف ضد الصحفيين، إضافة إلى استيلاء الشخصيات العسكرية على السلطة في بعض الدول، ما جعلها تشدد قبضتها على وسائل الإعلام وتعرقل عمل الصحفيين.
ومن الظواهر المثيرة للقلق كذلك، استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في ترسانة المعلومات المضللة لأغراض سياسية. يأتي ذلك بينما عززت العديد من الحكومات سيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، حيث قامت بتقييد الوصول إليها، وحظر الحسابات، وقمع الرسائل التي تحمل الأخبار والمعلومات.
