لطالما ردد أهالي الضاحية الجنوبية جملة” الضاحية بخير” نظراً للأمن والأمان اللذين كان يتمتع بهما المربع الأمني الخارج عن سلطة الدولة أو حيث كل شيء فيه مستباح على كافة الأصعدة الإقتصادية والأمنية والعقارية والخدماتية وصولا إلى “الممنوعات”. إلى أن دقت الساعة التي وجد فيها سكان المربع الأمني أن الضاحية ليست بخير ولن تكون إذا ما استمر الوضع الأمني على حاله. فماذا تغير اليوم؟
“الضاحية ليست بخير منذ أيام لا بل أشهر وسنوات” يقول العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر والسبب، “تمنّع القوى الأمنية عن ملاحقة الجرائم بدءاً من العادية كمثل جرائم المخدرات والسرقات والممنوعات وإخفاء أشخاص وحماية مطلوبين. وهذه الحالة فرضتها هيمنة حزب الله على المنطقة وتحويلها إلى مربع أمني خارج عن سلطة الدولة وسيطرة القوى الأمنية كما الحال في باقي المناطق التي لا تخضع لسلطة الحزب”.
في العودة إلى شعار “هنا الضاحية” الذي أطلقه حزب الله على منطقة الضاحية بعد أيام قليلة على انتهاء حرب تموز 2006، يبدو أن الموزاييك الشيعي الذي تحتضنه بات أكبر من ان تستوعبه قيادات الحزب وتضبط عقارب الأمن فيه. فعندما قرر الحزب فرض الأمن الذاتي على خلفية الأحداث الأمنية وتسلل” م خربين” لافتعال حوادث أمنية وحصول تفجيرات، اتخذ سلسلة تدابير أمنية مكثفة فوضع حواجز وارتدى عناصر الحزب قمصان الأمن ورفعوا شعار”لسلامة الأهل والوطن” على أعلام الحزب الصفراء. لكن لا “الأهل ” استساغوا المشهد ولا “الوطن” بأجهزته الأمنية ومؤسساته ومفهوم السيادة فيه كان راضياً عن ذلك، بدليل أن عددا كبيرا من سكان الضاحية أبدوا استياءهم من الوضع القائم وعبروا عن انزعاجهم.
لكن لا الأمن استتب، ولا الحزب بات قادرا على ضبط الفلتان الإجتماعي مع تردي الأوضاع المعيشية وباتت أخبار الضاحية الأمنية تتصدر بشكل شبه يومي صفحات التواصل الإجتماعي .وإليكم نموذج عنها:“إطلاق نار كثيف بسبب إشكال كبير بين عائلتي آل مشيك وآل زعيتر، انتشار مسلح في منطقة الشياح رافقه اطلاق نار كثير بشكل متقطع بسبب خلافات وقعت بين عائلتين وذلك على خلفية خسارة أحد الأشخاص مبلغا كبيرا في لعب الميسر فاستعان بمجموعة مسلحة بعد سعي أصحاب مركز الميسر للحصول على ما يعوض المال. وكما في كل مرة تتدخل قوة من الجيش لضبط الأمن وملاحقة مطلقي النار”.
لكن لا يبدو أن الأمن ممسوك خصوصا مع توسع رقعة الإشكالات وخروجها عن سيطرة “أمن الحزب”، إضافة إلى تبدل نوعيتها واتخاذها طابعا داخلياً بين عائلات من نفس البيئة أو بين بيئة الحزب وساحات الحركة.
بحسب عبد القادر المشكلة تتمثل بعدم قدرة القوى الأمنية على التحرك تلقائيا . “صحيح أن هناك تنسيقا بين القوى الأمنية والحزب لكن هذا التكتيك غير مجدٍ، لا سيما وأن الإشكالات بدأت تتخذ طابعا إجراميا بين العائلات والمجموعات في أغلبيتها تحترف جرائم القتل والسرقة والمخدرات، وهذا ما يعطي الضاحية الجنوبية هذه الخصوصية من حالة اللا أمن واخفاء المجرمين. وإذا كان لا بد من تحصين الوضع الأمني يجب إطلاق يد الأجهزة الأمنية للقيام بمهامها”.
التغريدة التي نشرها النائب أشرف ريفي منذ حوالى الأسبوع وفيها أن الضاحية الجنوبية تأوي سجوناً إيرانية لا ينفيها ولا يؤكد عليها عبد القادر. “لكن المؤكد أن هناك أمورا وأشياء نعرفها في الضاحية وأخرى لا نعرفها بسبب هيمنة الحزب وإنكار المسؤولية”.
وعن تفشي ظاهرة الفلتان الإجتماعي، يشير عبد القادر إلى أن معدل الفقر في الضاحية يوازي النسبة الموجودة في باب التبانة وهذا يشجع على الجريمة والفلتان الإجتماعي ويساهم في انتشار الممنوعات وألعاب الميسر. بالتوازي يلفت إلى أن الضاحية تضم عائلات من بعلبك-الهرمل والجنوب وهناك الكثير من المطلوبين في هذه الأقضية الذين يلجأون للإختباء في سراديب الضاحية وأزقتها مما يحولها إلى بؤرة المطلوبين والفارين من العدالة ويزيد من معدل الجريمة والسرقات”.
وكما شعار “الضاحية بخير” كذلك الشعار الذي رفعه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي “الأمن ممسوك”. والصحيح يقول عبد القادر”لا الضاحية بخير ولا الأمن ممسوك في أغلبية المناطق اللبنانية والسبب يعود إلى هيمنة حزب الله على الضاحية “.
بعد انفجارالرويس في 15 آب 2013 والذي أدى إلى وقوع نحو 30 قتيلا وأكثر من 300 جريح تغيرت حدود المنطقة جغرافيا وبدأ الحزب في نشر الحواجز الأمنية للتدقيق في حمولة السيارات وهويات العابرين إلى المنطقة الخاضعة لنفوذه، فكانت المرة الأولى التي يقوم الحزب بخطوة مماثلة منذ تأسيسه عام 1982. وإذا كان تدقيق حزب الله قبل حرب تموز محصورا بمربعه الأمني في حارة حريك، نتيجة تهديدات قيادييه، إلا أن الضاحية بأكملها اليوم باتت تحت مظلة تدابير الحزب الأمنية ، لتتحول إلى مربع أمني . ماذا تغير اليوم ولماذا خرجت السيطرة من الحزب؟
“الحزب مسؤول عن أمن الضاحية في ما يختص بمصالحه ووضعه والحماية التي يريدها لتكون يده فوق يد الدولة.لكن عند وقوع جريمة أو إشكال ولا يريد أو لا يستطيع الحزب أن يحمي المرتكبين يتنصل منه ويرفع الغطاء عنهم . وإذا صح أن الحزب عبّد الطريق لدخول الجيش والقوى الأمنية إلى الضاحية فالمسألة ليست إستنسابية ولا جريمة تعلو على سقف القانون. وما يحصل اليوم ليس إلا وليد تراكمات أعوام لكنها بدأت تتكشف أكثر لأن البلد على كف عفريت” يختم عبد القادر.
(المركزية)