الوصول إلى مرحلة التخمة بعد تناول الطعام هو تعبير واضح عن سلوك خاطئ صحياً وغير محمود اجتماعياً، لأن الشعور بالتخمة يسبب لصاحبه آلاماً بدنية وحرجاً اجتماعياً، وذلك نتيجة اضطرابات هضمية تؤثر في جودة الحياة، وتصل تأثيراتها على حياة الإنسان لدرجة تمنع الشخص من الذهاب إلى عمله أو الخروج من منزله. ويرتبط شعور التخمة بعد تناول الطعام بسلوكيات تربوية وعلمية خاطئة. إذ لا يفرق كثيرون بين الشعور بالتخمة وعسر الهضم العابر والبسيط والمزمن. وتعد التخمة تعبيراً عن عسر هضم يأتي على فترات متباعدة أو بصورة يومية، في ما يعد عسر الهضم الخطير بمثابة تخمة طويلة يمتد أثرها لأكثر من أسبوعين وذلك بسبب الشراهة والنهم في تناول الطعام.
ثقافة وتربية
في الثقافة الشعبية الانسانية العصرية السليمة، هناك تقدير واضح لمن يأكل باعتدال، ويوصف الشخص المعتدل في طعامه بأنه شخص عاقل بمعنى أنه يأكل ليعيش ويجدد نشاطه، في مقابل انتقاد حاد لمن يوصف بأنه شخص نهم أي أنه يعيش ليأكل. وفي أدب الموائد عند بعض الشعوب العربية، فإن تناول الإنسان الطعام يجب أن يكون مرتبطاً بالقلّة والتعفف لا بالشراهة، إذ شبّه بعضهم في البيئة البدوية تربية الأبناء على العادات السليمة في تناول الطعام بتربية الصقور، لأن حصة الصقر من صيده لا تتعدى لقيمات قليلة، فيما يترك الطائر الجارح كامل صيده لمربيه.
الشبع
تؤكد بعض الآراء المناهضة للتخمة، أن الوصول إلى مرحلة الشبع هو بحد ذاته نوع من أنواع التخمة البسيطة. إذ يرسل الجسم إشارات عدة إلى الدماغ للتنبيه من تناول مزيد من الطعام بعد الشبع مباشرة. ووفق مواقع طبية ومقالات متخصصة على مواقع تغذية عالمية، هناك أكثر من إشارة واحدة تصل إلى دماغ الإنسان تفيد بأن الشخص وصل حد الشبع. وعدم التوقف عند تلك الإشارات وتجاهلها والدخول في مرحلة التخمة المعقدة، التي تمتد أحياناً لساعات أو لأيام، يعني الدخول بمرحلة المرض.
تجاوز الرضا
تعرّف مقالة عبر الموسوعة العلمية الأوروبية الشبع بأنه شعور بالامتلاء يمتد إلى موعد تناول الوجبة التالية. بمعنى أن الشبع مرتبط جذرياً بحالة الشعور بالرضا بعد تناول الطعام وليس مرتبطاً بإنهاء الوجبة أو كمية الطعام التي يحصل عليها الإنسان يومياً. والتخمة وفق هذا التعريف هي حالة الشبع بما يتجاوز نقطة الرضا، وهي عكس الشعور بالجوع بشكل طبيعي ومتكرر. إذ تعد التخمة شعوراً غير طبيعي، لأنه يمنح الإنسان شبعاً وهمياً نتيجة فقدان الشخص الإحساس بلذة الطعام.
الشبع من الناحية العلمية
يقدم العلم معلومات محدّثة باستمرار حول معنى الشبع. فمركز الشعور بالشبع لدى الإنسان علمياً ما زال مرتبطاً بطبيعة الإنسان البدائية، وليس بوصفه مخلوقاً متقدماً فكرياً على بقية الحيوانات. ولكن العلم يوضح من خلال تشريح جسم الإنسان أن هناك منطقة محددة في الدماغ تسمى “تحت المهاد” وهي المسؤولة عن مركز الشبع. وأثبت العلم أن مركز الشبع هذا هو بمثابة حلقة الوصل بين الأعصاب من خلال الغدة النخامية، كما أن هناك ارتباطاً تلقائياً بين الغدة وعمليات الأيض التي تعني تحويل الغذاء إلى طاقة أو وقود يشغل العمليات الحيوية ويحول الطعام إلى بروتينات ودهون وسكريات وأحماض. وبهذا المعنى يكون تناول الطعام علمياً مجرد آلية للحركة وتجديد النشاط لا أكثر.
إشارات
يصل الإنسان إلى التخمة بعد أن يتجاوز عقله سيلاً من الإشارات العصبية التي تطلب منه التوقف عن تناول الطعام. وتتعدد الإشارات بين كونها عضلية مثل تمدد المعدة أو من خلال الهرمونات وإطلاق الأنزيمات وغيرها من الوسائل. واستفاد العلم الحديث من هذه الإشارات المنبهة للإنسان في اختراع مجموعات من الأدوية التي تحا رب السمنة من خلال خداع الجسم وإيهام الشخص المفرط في تناول الطعام بالوصول إلى حالة الشبع مبكراً وقبل التعرض لتخمة مَرضيّة.
أكل مفرط
في سبيل محاربة الإفراط في تناول الطعام، وضع علماء نظريات عدة حول مؤشرات الشبع، ومن أشهر مؤشرات الشبع قبل حدوث التخمة وعسر الهضم مؤشر طورته الباحثة والطبيبة الأسترالية سوزانا هولت، والذي يؤكد وجود علاقة وثيقة بين نوع الطعام والإحساس بالرضا والشبع. إذ يبلغ الإنسان أعلى مراحل الشبع عندما ينتج الطعام الذي يبقى في المعدة لأطول فترة ممكنة، نشاطاً وظيفياً أكبر. من جهة أخرى، كشفت مجموعة من العلماء عام 1956 عن متلازمة الأكل المفرط التي تصيب شخصاً من كل 225 ألف مولود، والمسماة متلازمة “برادر- ويلي” والتي تسبب الجوع المزمن لدى الأطفال وتتسبب بداء السمنة المهددة للحياة.
شعور عابر
لا يعد شعور الإنسان العابر بعسر الهضم أو اضطرابات المعدة الناتج من الشبع تخمة خطيرة تحتاج إلى العلاج. ولكن التخمة تحصل لأسباب عدة، أهمها العادات الغذائية الخاطئة خصوصاً في أوقات الاحتفال بالمناسبات الكبرى مثل الأعياد وحفلات الميلاد، أو نتيجة للشعور بالشراهة والنهم بسبب الوحدة أو القلق والتوتر الزائدين، أو حتى نتيجة لأمرا ض وتقرحات غير معلومة تصيب الإنسان في الجهاز الهضمي، أو بسبب تناول بعض الأدوية والمكملات الغذائية مثل مكملات الحديد، ناهيك عن العوامل الوراثية. وتزداد التخمة في وقتنا هذا طبيعياً مع تعدد خيارات الطعام، وازدهار الإنسان، فيتحول تناول الطعام إلى عادة أو روتين يومي. فالإنسان المعاصر دائماً ما يبحث عن الأغذية ذات الطعم المميز والمذاق الممتع.
التخمة وعسر الهضم
يبدو مصطلحا “التخمة وعسر الهضم” عبارة عن تعبير واحد عن هذا المرض، لكن هناك فارقاً كبيراً بينهما. فعسر الهضم يتسبب وفق موقع “مايو كلينك”، بإزعاجات متدرجة تبدأ من الحرقة أعلى البطن وانتفاخ البطن والغثيان، وصولاً إلى حدوث أعراض تشابه أمراض الأزمة القلبية. ولا يتحول عسر الهضم إلى تخمة مزمنة تسبب الآلام وتؤثر في جودة الحياة إلا بعد استمرار الأعراض لفترة طويلة تمتد لأكثر من أسبوعين أحياناً. وبهذا المعنى، يحدث عسر الهضم البسيط بعد تجاوز حد الشبع، ويحدث عسر الهضم المرضي بعد بلوغ الإنسان مرحلة الشبع بسرعة غير معتادة وبمجرد تناول كمية بسيطة من الطعام، فيما يصل الإنسان إلى التخمة بعد تناول كميات كبيرة من الطعام وعدم الاستجابة إلى إشارات الجسم المتعددة حول بلوغه حالة الشبع التام.
التخمة مرض
لا تصبح التخمة مرضاً إلا إذا تحولت إلى عسر هضم مزمن. وبحسب مواقع طبية وموسوعات علمية ومقالات حول الشبع، فهناك عدة درجات من الشبع وأخطرها الشبع الذي يتحول إلى عسر هضم غير بسيط، والذي يتطور إلى سوء هضم مرضي، أو الذي يحتاج إلى مراجعة الطبيب فوراً والذي يمكن تصنيفه بأنه عسر هضم من النوع الخطير أو من الدرجة الثالثة. ويحدث عسر الهضم الخطير مع ظهور أعراض متعلقة بالتنفس أو آلام الصدر.
أخيراً، من الصحي التوقف عن الطعام قبل الشبع، ويجب أن تظل التخمة بمعناها البسيط العابر كونها مجرد شعور بالامتلاء والشبع