لا يليق الخروج من مطار رفيق الحريري الدولي، في هذه الفترة، بشعار وزارة السياحة الخاص باستقطاب السيّاح والمغتربين: أهلا بهالطلة!
يشعر المرء، وهو يغادر بيروت عبر مطارها، بأنّ إدارة هذا المرفق الحيوي تقول له: عمركم ما ترجعوا!
هذا الشعور الذي انتابني ومن كان معي، ونحن نغادر، بعد ظهر أمس لبنان لا يعود الى الزحمة الكبيرة، إذ إنّ كل مطارات العالم، بما فيها الأكثر تطوّرًا، تعاني، في مواسم السياحة، من هذه الظاهرة.
ما سبب هذا الشعور، إذن؟
يعود هذا الشعور الى ثلاثة عوامل نُدرك أنّه من السهل التخلّص منها، من دون حاجة إلى عباقرة هنا وإلى مال هناك.
وهكذا، فلا يحتاج فصل صف الإنتظار الذي يوصل المغادر بنقطة التفتيش عن ذاك الذي يوصل الى نقطة تسجيل المغادرة لدى شركات الطيران، سوى الى بعض تنظيم، إمّا بتخصيص موظفَين على الأكثر، لإبلاع الواصلين الى المطار بالصف الذي يجب أن ينتظروا فيه، أو بوضع إشارات واضحة تُظهر ذلك، وبهذا تنتهي ربع الفوضى ويُختصر ربع وقت الإنتظار.
وبعد ذلك، تُعطى الأولويّة في الصف المخصص للوصول الى نقطة التفتيش للمسافرين على الطائرات التي سوف تغادر أوّلًا، من خلال استخدام “الخط السريع” لمن اضطرته الظروف، وما أكثرها على طرق لبنان الموصلة الى المطار المدني الوحيد فيه، على الوصول المتأخّر.
والأهم من هذا وذاك أن تُلغى الشفاعات والوساطات، فليس طبيعيًّا أن يجد الواقفون في الصفوف لوقت طويل أنّ هناك من يأتي بعدهم ويمرون، بسرعة وابتسامة الإحتقار مرسومة على شفاههم، برفقة عسكريين أو موظفين، بحيث يشعر النظاميّون أنّهم “أولاد الجارية” الذين لا يقيم “أولاد الست” أيّ اعتبار لهم!
في الساعة التي فصلت انتظاري وعشرات المسافرين عن نقطتي التفتيش والأمن العام، مرّ العشرات، على “خط الواسطة”، فضاعفوا فترة انتظارنا وعذابنا!
المشكلة في ذلك أنّ هؤلاء المارين بسرعة الواسطة، ليسوا على عجلة من أمرهم، فبمجرّد وصولهم الى “المنطقة الحرة” يقتلون وقتهم في التواصل مع مسافرين آخرين، ويحثّونهم على الإتصال بالنافذين ليحظوا بالمعاملة الذهبية التي تنعّموا هم بها، مقترحين عليهم إسم هذا أو ذاك من العسكريين أو العاملين في المطار وإعطائهم “إكرامية” تتراوح بين خمسين ومائة دولار أميركي ل”إنقاذهم من البهدلة”.
ثمّة من كان في المجموعة التي أغادر برفقتها راح “ينق” عليّ من أجل أن أتصل بأشخاص يعتقد بأنّهم قادرون على تمريرنا بسرعة. بطبيعة الحال، لم أفعل، لأنّني من جهة بتّ أكره هذه النوعية من السلوك، ولأنّني أريد أن أعتقد بأنّ من أعرفهم يرفضون التمييز بين الناس، من حهة أخرى.
ما ساعدني على تحمّل “الزن” و”النق” أنّني كنتُ أفكّر بهؤلاء العاجزين عن الوصول الى بوابات الطائرات وهي تستعد للإغلاق، إذ لم يسبق لي أن سمعت “نداء أخيرًا” يسمّي، في الوقت نفسه، عائلات بأكملها سجّلت نفسها ولكنّها لم تستطع أن تصل بعد الى بوّابات الطائرات!
ثمّة مشاكل لا تحتاج حلولها إلّا إلى القليل من التنظيم والكثير من الأخلاق!