"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

متى يُمكن أن يُترجم الإجماع الإسرائيل ضد "حزب الله" حربًا طاحنة ضد لبنان؟

ابراهيم ناصر
الجمعة، 30 أغسطس 2024

متى يُمكن أن يُترجم الإجماع الإسرائيل ضد "حزب الله" حربًا طاحنة ضد لبنان؟

اثبتت مجريات الحرب الدائرة في غزة أنّ الحكومة الإسرائيلية عازمة على الاستخدام الحصري للقوة العسكرية لإزالة احتمال بقاء حركة حماس كقوة مهيمنة في القطاع او ما يسميه نتنياهو بالنصر الكامل، وذلك بغض النظر عن الفترة الزمنية المطلوبة لتحقيق هذا الهدف. وبالانتظار يبقى كل ما عدا ذلك من كلام سياسي ومن سيناريوهات لما بعد الحرب بحكم المؤجل.

يبني رئيس حكومة إسرائيل إعطاء الأولوية للحرب وإصراره على مواصلتها من غير الاكتراث الى مدتها الى عوامل عدة منها:

1- تحويل الأنظار عن الانقسام العامودي للمجتمع الإسرائيلي الذي وصل في أوج التعبير عنه الى حدود الانزلاق نحو حرب أهلية. هذا الانقسام الذي تسببت به محاولات نتنياهو تقليص صلاحيات المحكمة العليا وتركيز كل السلطات بين ايدي الأغلبية الحاكمة.

2- إنهاك حماس عسكريا وتصفية العدد الأكبر من قيادات الصف الأول للحركة بمن فيهم يحيى السنوار إذا أمكن، وتقديم هذا الإنجاز امام الإسرائيليين على شكل انتصار تاريخي يؤكد على استعادة إسرائيل لقدراتها الرادعة التي اهتزّت جدّيا بفعل اختراق ٧ أكتوبر، والذي تسبب به، بحسب ترويج أوساط نتنياهو، قادة عسكريون وامنيون إسرائيليون، علّ هذا الإنجاز يؤمن لرئيس الحكومة الإسرائيلية خروجا لائقا، ان لم يكن بطوليا، من الحياة السياسية قد يقيه المساءلة عن دوره في التسبب باختراق ٧ أكتوبر، ويحميه من المحاكمات التي تلاحقه في ملفات الفساد.

3- الاستفادة من هذه الحرب للضرب المتمادي لإمكانية أي حل سياسي مع الفلسطينيين يقارب جديًّا مسألة حصولهم على الحدّ الأدنى من حقوقهم السياسية ولدفن نهائي، كما يأمل اليمين الإسرائيلي، لفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة تجمع بين قطاع غزة والضفة الغربية.

عاملان اسرائيليّان يدعمان خطط نتنياهو

غير ان هذه الأسباب مع أهميتها تبقى ثانوية وغير كافية لولا توفّر عاملين أساسيين لم يكن بمقدور نتنياهو وحكومته الامعان في مواصلة الحرب من دون توفرهما:

الأول، يتمثّل بالرأي العام الإسرائيلي الذي يظهر استعدادا غير مألوف لتقديم كل الاثمان المطلوبة لهذه الحرب مهما طالت. ذلك ان غالبية الإسرائيليين يعيشون هاجس الخوف على وجودهم والذي ولّدته صدمة ٧ أكتوبر فيما عملت آلة الدعاية اليمينية الإسرائيلية ولا تزال على تعزيز هذا الهاجس. تدكّ مضاجع معظم الإسرائيليين فكرة وجود قوى عسكرية معادية على حدود إسرائيل قادرة على تكرار سيناريو ٧ تشرين وهم لذلك سلّموا بغالبيتهم لقيادتهم السياسية ولجنرالات جيشهم بإزالة هذه التهديدات مهما كانت الاثمان. الإسرائيليون بغالبيتهم الساحقة لا يكترثون لما يرتكبه جيشهم من فظاعات في غزّة. يعيشون حالة انكار للمجازر اليومية ولجرائم الحرب التي يقوم بها جنودهم هناك فيما يقوم الاعلام الإسرائيلي بعملية تعتيم ممنهجة لتفاصيل المأساة التي تتسبب بها دولتهم بحق الفلسطينيين.

اما العامل الثاني فيتجلّى بالدعم اللامحدود الذي توفّره الإدارة الأميركية لدولة إسرائيل وذلك بغض النظر عن هوية سيد(ة) البيت الأبيض او الاكثريات الحزبية في مجلسي الشيوخ والنواب الاميركيين وبغض النظر أيضا عن نوعية الائتلافات الحاكمة في إسرائيل. لقد أظهرت حرب غزة عن عمق الالتزام الأميركي بحماية دولة إسرائيل وعن الاستعداد الأميركي الصلب لوضع الموارد الهائلة في تصرف الدولة العبرية اكانت عسكرية ام مالية ام سياسية ـ ديبلوماسية لدى تعرضّ هذه الدولة لأي خطر خارجي جدّي. كل الخلافات والتباينات بقيت تحت سقف هذا التحالف المتين : لا انعدام الكيمياء بين نتنياهو وبايدن ولا استفزازات وزراء اليمين المتطرف المتواصلة ولا تجاوزات الجيش الإسرائيلي في غزة ولا ارتكابات المستوطنين في الضفة الغربية ضدّ الفلسطينيين العزّل، كل ذلك لم يكن له ادنى تأثير على وتيرة جسور الامداد العسكري الأميركي لإسرائيل ولا على ابرام صفقات الأسلحة المتطورة المليارية ولا على الموافقة على المساعدات المالية الضخمة ولا على مواصلة الدعم السياسي اللامحدود لاستمرار إسرائيل في حرب من اكثر الحروب وحشية في القرن الحادي والعشرين.

الجبهة اللبنانية

مستفيدة من هذه العوامل لمواصلة حربها على غزة بسقوف اهداف عالية تكتفي الحكومة الإسرائيلية بالمقابل وحتى هذه اللحظة بخوض نزاع عسكري على جبهتها الشمالية مع حزب الله تنطبق عليه صفة حرب الاستنزاف وتحكمه ضوابط يحترمها الطرفان ما زالت تمنع العمليات العسكرية من التحول الى حرب شاملة. غير ان وتيرة هذه الحرب لا تؤشر، ان هي استمرت على حالها، الى إيجاد مخارج للأسباب التي ادّت لاندلاعها ولا الى حلول للنتائج الأولية التي اسفرت عنها.

منذ بداية الحرب على قطاع غزة تبقي القيادة الإسرائيلية على الغموض بما يتعلّق بخططها لإدارة القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية في الوقت الذي تقترب فيه من تحقيق أهدافها المعلنة لهذه الحرب من تدمير البنية العسكرية لحركة حماس وتصفية عدد كبير من كوادرها ومن قيادات الصف الأول للحركة. فيما يتعلق بحزب الله فلقد أعلنت إسرائيل وعلى ضوء ٧ تشرين انها لن تسمح مطلقا بتكرار مثل هذا السيناريو على حدودها الشمالية وهي لذلك لن ترضى بأقل من إزالة الوجود العسكري للحزب من شريط حدودي بعمق يقارب العشرة كيلومتر داخل الأراضي اللبنانية والتطبيق الكامل والمضمون لقرار مجلس الامن ١٧٠١ قبل السماح لسكان شمال إسرائيل بالعودة الى حياتهم الطبيعية. وفيما تضيق يوما بعد يوم هوامش الجهود الديبلوماسية الساعية لتلبية المطلب الإسرائيلي فان إلزام حزب الله بتلبية الشرط الإسرائيلي لن يتحقق على الأرجح من غير خوض عملية عسكرية واسعة قد تكون موازية بشراستها لحرب غزة وان اختلفت عنها في طبيعة الاستراتيجيات العسكرية التي قد تعتمدها.

التركيز على الشمال

لقد دخلت حرب عزة مؤخرا فيما سمّي مرحلتها الثالثة والتي تقتصر فيها الجهود العسكرية على عمليات موضعية لا تتطلّب موارد بشرية ولوجستية كبيرة ما قد يعتبر تمهيدا للتبريد التدريجي للحرب على هذه الجبهة. وعلى هذا الأساس هل بدأ التركيز الإسرائيلي بالتحول الى الجبهة الشمالية مع ما يعنيه ذلك من اقتراب ساعة الحقيقة بما يتعلق بحسم الصراع مع حزب الله لناحية إزالة التهديد الذي يمثله الحزب لدولة إسرائيل على حدودها الشمالية؟ وهل ان العوامل التي كانت متوفرة لإسرائيل والتي سمحت لها بخوض حرب شاملة وطويلة على قطاع غزة يمكن ان تنطبق على حرب مشابهة ضدّ حزب الله على الأراضي اللبنانية؟

على مستوى القيادات السياسية في إسرائيل يبدو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحيدا، إذا ما استثنينا وزراء اليمين المتطرف، في إصراره على استراتيجيته لمواصلة الحرب في قطاع عزة وعلى عرقلته المكشوفة لجهود التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. على العكس من ذلك وبما خص الجبهة الشمالية، لا بد من ملاحظة ما يشبه اجماع هذه القيادات من اقصى اليمين الى أعضاء الحكومة المصغّرة وصولا الى كافة زعماء المعارضة على استعجال شن عملية عسكرية واسعة النطاق تؤدي الى إزالة تهديد حزب الله لشمال إسرائيل في الوقت الذي يتجاوز فيه التأييد لمثل هذه العملية سكان شمال إسرائيل الذين يضغطون بشكل يومي في اتجاهها على المستوى الشعبي ليصل الى ما يزيد عن ٦٠ بالمئة من مجمل سكان إسرائيل بحسب ما تظهره استطلاعات الرأي المتكررة في هذا الشأن. لا يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الاجماع لكنه يحتفظ لنفسه بتحديد التوقيت المناسب لإطلاق اشارة التصعيد.

لبنان والعامل الأميركي

اما فيما يتعلق بالعامل الأميركي وإمكانية دعم إدارة الرئيس بايدن لتوسيع الحرب على الجبهة الشمالية فقد اثبتت تجارب حرب غزة عن قدرة نتنياهو على ضمان مواصلة الدعم الأميركي لبلاده والتعامل مع التحفظات الأميركية على ادائه من دون المسّ بخططه لإدارة الحرب. ساير نتنياهو الإدارة شكليا في تجنّب استهداف المدنيين في غزة ومضى جيشه يرتكب المجزرة تلو الأخرى، دخل رفح رغم الاعتراض الأميركي العلني على العملية، اجهض ولا يزال كافة الجهود الأميركية للتوصل الى اتفاق للإفراج عن الرهائن ووقف الحرب، حصل على الانخراط الأميركي المباشر لردّ الهجوم الإيراني على إسرائيل انتقاما لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق التي لم تحصل على التأييد الأميركي وفيما رأت الإدارة بأغتيال إسماعيل هنية في طهران عملية غير ضرورية لم تتردّد بالإعلان في الوقت نفسه عن استعدادها للدفاع عن إسرائيل في حال قررت ايران مهاجمة إسرائيل ردا على هذا الاغتيال. لن يُعدم نتنياهو الحيلة في توفير الغطاء الأميركي لأي حرب واسعة على لبنان ساعة يقرّر ان الظروف باتت مؤاتية لها.

حسابات “حزب الله” الخائبة

لقد دخل حزب الله مورطا معه كل لبنان بما اسماه حرب المشاغلة والمساندة عبر مناوشات حدودية محدودة ظنها قليلة الكلفة بهدف مشاركة حركة حماس في رفع إشارة النصر حال اعلان وقف إطلاق النار بعد حرب قد لا تتعدّى وفق حساباته الأسابيع القليلة ليجني بعدها الاثمان السياسية في لبنان والاقليم. وها هو الآن، بعد ما يقارب عاما كاملا على إطلاق مغامرته، امام وضعية فقد فيها القدرة على التحكم بتوقيت الخروج ليجد نفسه إزاء خيارين احلاهما مرّ امّا القبول بالهزيمة او التسبب بدمار لبنان على رؤوس اهله.

وازاء امعان الحزب الله في تهميش الدولة اللبنانية واستفراده بقرار جر البلد الى حرب عبثية لا يملك لبنان الحد الأدنى للمسوغات الوطنية لخوضها وهولا طاقة له على تحمل نتائجها الكارثية، تبدو الأحزاب اللبنانية المناوئة لحزب الله في الجهة المقابلة في حالة من الشلل الكامل امام المصير الأسود الذي ينتظر لبنان. فباستثناء بعض التصريحات الفاقدة لأي ترجمة عملية، لم تنتج هذه القوى والأحزاب خلال أكثر من عشرة أشهر ولو بداية خطة تبني على الرفض الشعبي الواسع لتوريط لبنان بهذه المغامرة الخطرة وتعمل على تأطيره وتظهيره الى المجال العام لتحويله الى أداة ضغط سياسي يتم اشهارها داخليا في وجه تفلت حزب الله بالقبض على مصائر اللبنانيين وحملها خارجيا الى المنتديات السياسية الدولية طلبا لإنقاذ لبنان من تحكم الميليشيا. هكذا وفي ظلّ حكومة باهتة ومعارضة عاجزة ينتظر اللبنانيون بيأس، هم الذين فقدوا كل الحصانات السياسية داخليا وخارجيا، اقتراب الموعد الذين سيدفعون فيه من ارواحهم وارزاقهم ثمن مغامرات الميليشيا المتفلّتة وبطش الآلة العسكرية الإسرائيلية المتوحشة.

المقال السابق
إسرائيل مرتاحة إلى "كذبة" حزب الله عن "عملية الأربعين"!

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

وعود حزب الله بإعادة الاعمار.. وهم جديد!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية