قبل الغارة القاتلة التي نفذها الجيش الإسرائيلي على المنطقة الإنسانية في خان يونس، بداعي اغتيال القائد العسكري ل”حماس” محمد ضيف، أطلّ الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله ليُخبر اللبنانيين عن فضائل فتح الجبهة اللبنانية على قطاع غزة، حتى كاد يقول إنّ الحكومة الإسرائيلية لم تكن لتفكر بوقف النار في غزة والجلوس الى طاولة المفاوضات الرامية الى تحقيق هذا الهدف، لولا قوة “حزب الله” على الجبهة اللبنانية!
ولكن، وما إن اختفى خطابه “المتباهي” عن الشاشة، حتى نفذ الجيش الإسرائيلي واحدة من أكثر عملياته دموية ضد قطاع غزة، موقعًا العشرات من الضحايا.
وفجأة، تصاعد الصراخ، بقيادة “حزب الله” ضد الكيان الصهيوني الم جرم الذي يتمادى في حرب الإبادة التي يشنها ضد الفلسطينيين.
ما يهمّنا في ذلك، أنّ الجبهة اللبنانية، على الرغم من كل توصيفات نصرالله، ظهرت، في الواقع أنّها لا تقدّم ولا تؤخر في كل ما له علاقة بغزة التي انتقلت الحرب عليها الى مرحلتها الثالثة، حيث لا يحتاج فيها الجيش الإسرائيلي إلى حشود عسكرية كبيرة، لأنّه سوف يعتمد استراتيجية جديدة.
وبما أنّه بات واضحًا أنّ “حزب الله” لا يريد تغيير استراتيجيته مع إثبات المجريات العسكرية في غزة، عدم جدوى حربه، أصبح لزامًا عليه، إنسانيًّا وشرعيًّا وأخلاقيًّا ووطنيًّا، أن يوقف حربه على الجبهة اللبنانيّة، ويعيد، بعد فشل مقاصده المعلن عنها، الحدود الى صاحبها الدستوري، أي الى الجيش اللبناني المدعوم من اليونيفيل.
أمّا إذا كانت أهداف هذا الحزب من فتح الجبهة اللبنانية لا علاقة لها بغزة، فعليه مصارحة اللبنانيين عمومًا والجنوبيين خصوصًا، بهذه الأهداف، لأنّ الكلفة التي يتكبدها الجميع باتت مرتفعة للغاية وتفوق قدرات لبنان على تحملها.
وليس صحيحًا أنّ ضمّ “حزب الله” للبنان، خارج كل إطار شرعي ودستوري، الى حرب “طوفان الأقصى” هو فعل دفاعي عن لبنان، بل هو استدعاء، بكل ما للكلمة من معنى، للعامل الإسرائيلي الى لبنان، بحيث باتت الحرب ضد “ب لاد الأرز” مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، حتى لو نجح المجتمع الدولي، في احتواء الأخطار الحالية، من خلال تعويم القرار 1701.
بعد غزة، سيكون التركيز الإسرائيلي على لبنان. لا أحد يعرف طبيعة الحرب المقبلة، إلّا أنّ الأكيد أنّ جنوب لبنان سيكون هدفًا متقدّمًا في سلّم أولويات أيّ حكومة إسرائيلية، سواء كانت برئاسة بنيامين نتنياهو نفسه أو برئاسة ألد خصومه، لأنّ “حزب الله” يقدم ما يكفي من أدلّة على أنّ الجنوب اللبناني أصبح منصة لخطر وجودي على دولة إسرائيل.
وليس طبيعيًّا، أن يتحجج منبريّو “حزب الله”، وقد انضم إليهم مؤخرًا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، بعدما تنازل فجأة عن “وسطيته المنبريّة” بهدف التصدي للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي “المنضبط” حديثًا في “الصمت السيادي”، في تحميل مسؤولية ما يقوم به “حزب الله” الى غياب الدولة عن القيام بواجباتها، لأنّ الدولة التي ينتقدها ليست الدولة الحالية التي تعلو فيها الكلمة ل”الشيعية السياسية”، من جهة أولى ولأنّ واجب الدفاع عن لبنان لم ينادِ المؤسسة العسكرية المدعومة من اليونيفيل وتقاعست عن واجباتها، بل حالها مثل حال المؤسسات العسكرية في كل من مصر والأردن وسوريا، من جهة ثانية، ولأنّ قيام الدولة القادرة في ظل وجود ميليشيا مهيمنة كحال “حزب الله” الذي يستمد كيانيته من إيران الخامنئية، هو ضرب من المستحيل، من جهة ثالثة.
لقد أصبح الإصرار على إبقاء الجبهة اللبنانية مفتوحة، بالنسبة لغزة، غريبًا، مثله مثل اعتبار سمير عيد قباني “ابو سمرا” الذي سقط في “إشكال” بين مناصرين ل”حركة أمل” وآخرين ل”حزب الله” في حي ماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت، “شهيدًا “!