لا يستطيع رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، بعد سنتين من تعليق عمله السياسي، الإستمرار في دور “حارس الفراغ” في الساحة السنيّة، وأصبح ملزمًا بأن “يحط أو ينط”!
وفي الواقع بدأت المفاعيل السلبيّة لهذا الفراغ تلحق الأذى بالجميع، بدءًا من “تيّار المستقبل” نفسه، حيث تندلع “حرب المواقع”، ليس في “مراكز الثقل” في الكيان الحزبي الذي أنشأه سعد الحريري، فحسب بل في المواقع المهمة التي لا يزال الحريري يحتفظ بها في الدولة اللبنانيّة، أيضًا.
ومع فشل تام هنا وجزئي هناك، سجله جميع من سبق أن توهّموا أنّهم بدائل لسعد الحريري، بدءًا من شقيقه الأكبر بهاء الذي سرعان ما خفُت نجمه( ولذلك ألف سبب وسبب) وصولًا الى الرئيس نجيب ميقاتي الذي يحب ثروته أكثر من أيّ شيء آخر، وفي ظل عدم قدرة الآخرين على توسيع تمثيلهم “البلدي” الى حالة وطنية كما هي عليه وضعية النائبين أشرف ريفي وفؤاد المخزومي، ومع تشتت واضح لمن جاء بهم “التغيير” هنا و”الإنكفاء المستقبلي” هناك، يحاول “حزب الله” بتكتيك “حذق” أن يخلق إطارًا يناسبه في الطائفة السنيّة، من خلال “الجماعة الإسلاميّة” التي انضمّت، بين ليلة وضحاها، تحت غطاء الحرب على قطاع غزة، إلى غرفة العمليات العسكريّة التي تقودها “المقاومة الإسلاميّة في لبنان”.
وهكذا، بعد سنتين من تعليق سعد الحريري عمله السياسي، باتت الساحة السنيّة اللبنانيّة تائهة، مشرذمة، ضعيفة، ومهددة باختراق نوعي ل” محور الممانعة”.
وفي القراءات الموضوعيّة، فإنّ سنة 2024 سوف تكون أساسيّة في رسم الملامح المقبلة للطائفة السنيّة في لبنان، وبالتالي، فإنّ من يغيب عنها سوف يتعرّض لخطر فقدانها الى الأبد، خصوصًا وأنّ هذه السنة قد تشهد رسم مصير المنطقة وتحديد مواقع طوائفها.
وعليه، فإنّه بات لزامًا على الحريري أن يحسم اتجاهاته، فإمّا يحوّل تعليقه للعمل السياسي الى استقالة ناجزة، أو يعلّق “التعليق”.
الإشارات الواردة من مقر إقامة الحريري في العاصمة الإماراتيّة “ابو ظبي” ومن حركة المقربين منه، ومن عودة “تيّار المستقبل” الى الساحة، ولو بملفات صغيرة، ومن الشعار الذي تمّ رفعه للتحشيد الشعبي للذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري” تعوا ننزل تيرجع”، تُظهر أنّ سعد الحريري الذي أدخل تغييرات على شكله، بحيث تخلّى عن التسريحة الطويلة لشعره لمصلحة “قصة قصيرة” كما عن “الإنتفاخ العضلي” لمصلحة “التنحيف الإرادي”، يخطط جزئيًّا لحسم موقعه في الساحتين السنية والوطنية.
وإرادة حسم الموقع قد لا تعني حكمًا العودة، فهي قد تعني، أيضًا التخلّي.
هو حاليَّا، يقدّم إشارات عن نيّته الإيجابيّة، وقد يكون في انتظار ردات الفعل التي هي وحدها يمكن أن تدفعه الى اعتماد الخيار النهائي، سلبًا أو إيجابًا.
ما هو محسوم حتى تاريخه أنّ سعد الحريري مثل كثيرين يعتبر أنّ الظروف تقتضي منه أن يحسم هذه السنة مستقبل…”المستقبل”.