أطلقت الحكومة اللبنانية، يوم الإثنين، رسميًّا الموسم السياحي الصيفي، تحت عنوان “مشوار رايحين مشوار”. يعتبر البعض أنّ هذا الحدث يندرج في إطار المقاومة اللبنانية لمنطق الحرب، وهو نوع من أنواع المواجهة المباشرة مع إسرائيل التي “ستفشل في منع نبض الحياة في لبنان، مهما قصفت وأبرقت وهددت”، وغير المباشرة مع “حزب الله” الذي لن يقوى على تحويل لبنان الى متراس ومجلس تأبين وحالة “رعديّة”!
قد يكون ذلك صحيحًا، فالحكومة اللبنانية في ما أقدمت عليه لهذه الناحية، تمثّل غالبية المواطنين الذين يرفضون الحرب، من جهة ويتمسكون بالحياة، من جهة أخرى.
وعلى الرغم من جماليات الرومانسية، إلّا أنّها في السياسة، تتحوّل الى نوع من أنواع “النكران” الذي من شأنه أن يفاقم المشكلة ويُسقط المريض في حالة ميؤوس منها.
و”مشوار رايحين مشوار”، بظروفه ومعطياته وآفاقه وتطلعاته، هو رومانسيّة تسمح للشعراء بتمجيد تلك النعامة التي تظن أنّ دفن رأسها في التراب كفيل بإبعاد الخطر الداهم عنها.
نعم لا بدّ من أن يواجه الجميع “لعبة الموت” التي استدعى “حزب الله” إسرائيل إليها فلبّتها ببالغ السرور، ولكن ليس على قاعدة “النكران”، فالفرقة الموسيقية التي نظمت حفلة على متن تلك “التيتانيك”، لم تكن تهدف الى حماية حياة الركاب، بل أرادت أن تُلهيهم عن مواجهة هواجس الموت الزاحف إليهم. وتلك الضفدعة التي اعتادت على المياه التي تسخن، رويدًا رويدًا، في “الطنجرة” الموضوعة على النار، لم تكن تستمتع بالحياة، بل كان الطاهي يخدعها، حتى يقدمها وليمة لذيذة على مائدة الطعام!
إنّ مسؤولية الحكومات - حتى تستحق اسمها ووظيفتها ودورها- تتعارض مع دور قائد الفرقة الموسيقية على متن سفينة محكومة بالغرق، ومع دور الطاهي الذي يخدع الضفادع، وتتركز على وجوب التصدي للموت الزاحف على شعبها!
لم يجتمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مرة واحدة، مع الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله ويُبلغه بأنّ اللبنانيّين، وهو منهم، ضد ربط مصي ر لبنان بمصير غزة، وضد توريط لبنان بصراعات المحاور وحروب المنطقة، وأنّ عليه، رحمة بلبنان واللبنانيّين، أن يسمح للسلطات الدستورية بفتح مفاوضات منتجة مع الوسطاء، لمنع وقوع لبنان ضحية حرب واسعة واستعادة أكبر قدر ممكن من حقوقه المستولى عليها.
لو فعل ميقاتي هذا، لكان وفّر على نفسه النطق بالتفاهات التي وردت في خطاب إطلاق موسم “طمر الرؤوس في التراب”، فلبنان لا يفتقد الى منابر زجلية، بل الى رجال دولة.
عندما توقف شركات الطيران العالمية رحلاتها الليلية الى لبنان، في ضوء تقارير مخابراتية، وعندما تسارع الدول، واحدة تلو الأخرى، الى الطلب من رعاياها عدم التوجه الى لبنان ومغادرته فورًا، بناء على تقييمات دبلوماسيّيها، لا يكون الرد بحفل “مشوار رايحين مشوار”، بل بالقيام، بجهود جبارة، من أجل إصلاح الخلل الفظيع في محركات “السفينة” المهددة بالخطر، فربّ العائلة التي يعرف أنّ سيّارته تعاني من عطب، لا يضع عائلته فيها، وينطلق في رحلة، وهو يُغنّي لهم، حتى لا ينتبهوا الى المخاطر المحدقة بهم، “مشوار رايحين مشوار”!