يعتقد الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله أنّه وجد “الرد السحري” على استياء شرائح واسعة من اللبنانيين ، حتى ضمن بيئته الشيعية الحاضنة، من استفراد “المقاومة الإسلامية في لبنان” بقرار فتح الجبهة اللبنانية- السورية.
“الرد السحري” الذي مهّد له نصرالله في خطاب “يوم القدس العالمي”، يوم الجمعة الماضي وفصّله، أمس في الكلمة التي ألقاها في الحفل التكريمي لقائد “فيلق القدس” في لبنان وسوريا رضا محمد زاهدي الذي اغتالته إسرائيل في قصفها التدميري للقنصلية الإيرانية في دمشق هو الآتي:” نقول لمن يلاحقنا بقرار الحرب والسلم من قام بالحرب الأهلية حينها؟ هل أخذتم قرارًا من الدولة أو أنتم اتخذتموه؟“.
وقد أثار تبني نصرالله لهذا الرد الذي نصحه به “بعض الأخوة” كما قال في وقت سابق، سخرية المتخصصين بالعلوم السياسية، فهو يحاول الجمع بين حدثين تفصل بينهما هوة واسعة من المعطيات، إذ إنّ لا قواسم مشتركة بين الحروب الأهلية و”الحروب السيادية” على اعتبار أنّ لكل منها طبيعة مختلفة عن الأخرى، ف”الحروب الأهلية” تقوم على حساب الدول وفي غالبية الأحيان تكون ضد النظام أو مؤسساته أو المتحكمين به، فيما “الحروب السيادية” تقوم بها الدول، وفي غالبية الأحيان من أجل أن تصلب دورها ووظيفتها.
وحين حصلت الحرب الأهلية في لبنان التي يرمز إليها تاريخ 13 نيسان 1975، كانت القوى الفلسطينية واللبنانية التي ورثها “حزب الله” وسائر التنظيمات المموّلة من إيران، قد أضعفت الدولة اللبنانية وحاولت الحلول مكانها في كل شيء، تحت عنوان “تحرير القدس”، فانتفضت عليها قوى داخلية لبنانية، في محاولة منها لمنع مخطط إقامة دولة الفلسطينيين البديلة.
وهذا يعني أنّ ما يسمّى بالحرب الأهلية وقعت بين طرفين: الأول، وقد ورث نصرالله شعاراته، أسقط مفهوم الدولة. والثاني، ويمثل خصوم نصرالله اليوم امتدادًا له، حاول إنقاذ هوية لبنان من الإندثار.
إنّ السؤال “الإتهامي- السجالي- التحاججي” الذي طرحه نصرالله عمّا إذا كان هؤلاء قد أخذوا موافقة الدولة على ما أقدموا عليه يعاني من مشكلة كبيرة مع “المنطق السليم” ولا يصح توسله للرد على إهمال العودة الى الدولة في “الحرب السيادية”، كما هي الحال مع فتح الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، حيث تلتزم الحكومة بتعهدات داخلية ودولية، ليس أقلها وجوب تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في آب 2006، ويفترض بأيّ طرف يحرص على الدولة وعلى مصالح الشعب، أن يأخذها بالإعتبار.
إنّ وجود عدو مشترك للبنانيّين لا يعطي أي طرف حق فتح حرب ضده “من عندياته”، بل هو قرار سيادي تحتكره مؤسسات الدولة الدستورية التي تدرس “ملاءمة” التهدئة أو التصعيد، بحسب “موازين القوى”، من جهة والتعهدات والإلتزامات والشرعية الدولية، من جهة أخرى.
وهذا يعني أنّ أي طرف يتجاهل “الدولة” في “حرب سيادية” إنّما يقترف سلسلة جرائم ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي، وهو يعتبر، بالمفهوم الجنائي، أنّه قد أقدم على تنفيذ انقلاب على الدولة، وعرضها للإنحلال ودفع بالمجموعات المناوئة له الى الإستعداد للتصدي له.
وبهذا المعنى، فإنّ “حزب الله”، ولو كان قد فتح جبهة مع دولة جرى تصنيفها عدوة، إلّا أنّه واقعيًّا إنقلب على الدولة اللبنانية وأنهى وجودها وبالتالي فهو انقلب على الدستور وأحدث خللًا فظيعًا في أحد أهم أسس الوحدة الوطنية، وعرض البلاد لمخاطر الدخول في حرب أهلية جديدة.
وفي هذه الحجة يتجاهل نصرالله أنّه يفتح جرحًا لبنانيًّا عميقًا، فهو على قاعدة “الأخ الأكبر” في رواية 1984 لجورج أورويل يريد إعادة كتابة التاريخ كما تشتهي مصلحته، علّه يُنسي الناس جملة حقائق، منها أنّ حزبه، مباشرة أو بواسطة الحلفاء، كان جزءًا من الحرب الأهلية، وأنّ الشعارات التي يرفعها هو اليوم هي نفسها الشعارات التي كان يرفعها مهدمو الدولة وبالتالي من تسببوا بالحرب الأهلية.
إنّ موضوع محاربة “العدو المشترك” ليس صناعة “إيرانية”، بل هو قديم جدًا، وتناوب عليه اللاهثون في الإقليم وراء إقامة جبهات بديلة.
وشعار “جيش، شعب، مقاومة” لا يختلف في جوهره عن مضمون “اتفاق القاهرة”.
المشكلة المتمادية مع نصرالله، تكمن في أنّه، وبمجرد حصوله على عنصر يخدم الدفاع عمّا يقوم به حزبه، يطلقه، من دون أي تفكير بطبيعته وبانعكاساته.
ويبدو نصرالله، ولا سيّما في الأونة الأخيرة، مهووسًا بمحاولة إقناع بيئته الحاضنة بأنّ الخسائر التي ألحقها ويلحقها بها والكارثة التي يمكن أن يتسبب لها بها، في حال وسعت إسرائيل الحرب على لبنان، هي “مجدية”، وهو يعتبر أنّ المساجلة مع “أعداء الداخل” من شأنها أن تشد عصب هذه البيئة وتعيد الحرارة الى علاقاتها معه.
إنّ الأفكار التي يتلقاها نصرالله من “بعض الأخوة” كما يصنفهم قد تصلح للزجل السياسي ولكنّها لا تصلح مطلقًا في صناعة فكر سياسي بات “حزب الله” يحتاج إليه!