"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

مشكلة لبنان: الاستسلام المخيف

علي حمادة
الاثنين، 15 يناير 2024

مشكلة لبنان: الاستسلام المخيف

شكّل موقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خلال خطابه الأخير دليلا إضافيا على ان الدولة اللبنانية جرى اختطافها بالكامل. فالالتزامات التي اتخذها نيابة عن اللبنانيين ومن دون استشارة أيّ مكون في البلاد تحت عنوان مساندة حركة “حماس” في غزة، أوصلت البلاد الى حافة حرب لا يريدها أحد، بمن فيهم جزء كبير من بيئته التي تحتضن حزبه لكنها غير مستعدة لدفع أثمان باهظة بسبب خيارات لا صلة للبنان بها. فالتضامن مع اهل غزة شيء والتفريط بلبنان على مذبح المصالح الامبريالية الإيرانية شيء آخر. لكن المشكلة لم تتوقف عند قرارات ذراع ايران اللبنانية، بل تعدّتها الى ما هو أخطر، أي استسلام معظم القوى السياسية اللبنانية التي فقدت الرغبة والإرادة في الوقوف بوجه هذه الحالة الشاذة التي ما فتئت تدمر البلاد يوما بعد يوم، ناسفة البقية الباقية من الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن الدقيق بين المكونات الوطنية ومختلف البيئات والثقافات المتعايشة بخصوصياتها من دون ان تكون منصهرة. فالانصهار مرفوض، مثلما القبول بالهيمنة الحاصلة اليوم بقوة السلاح، والارهاب والترهيب مرفوض أيضا. لكن “حزب الله” يمثل نصف المشكلة، أما النصف الآخر فمنبعه هذه الحالة الإذعانية التي تعصف بالمستوى السياسي اللبناني بمختلف تلاوينه. وهنا لا حاجة لنا الى ذكر أسماء ولا التوغل في تفاصيل. لكن يهمنا هنا هو ان نضيء على موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي يمثل بسلوكه الحالي نموذجا صارخا للتواطؤ المخيف مع “حزب الله” في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، وخوض معركة مرشح “حزب الله” سليمان فرنجيه وفق معادلة فرنجيه أو لا رئيس ولا رئاسة. والمرشح المذكور سيكون في حال وصوله الى سدة الرئاسة رمزاً لقهر رأي عام غالب في البيئة المسيحية وبيئات أخرى. والأصعب انه سيكون علامة على اختطاف “حزب الله” موقع رئاسة الجمهورية بشكل لا رجوع عنه.

وللدلالة على مساوئ تحكّم “الثنائي الشيعي” بالاستحقاق الرئاسي وبالقرار السيادي للدولة اللبنانية، ان رئيس مجلس النواب سمح لنفسه بان يلغي ترشيحات منافسي مرشحه، فقال قبل بضعة أيام انه لا يوجد سوى مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. ومن ناحيته ارتمى رئيس حكومة تصريف الاعمال في أحضان “حزب الله” قائلا في أحد تصريحاته الاخيرة إن وقف اطلاق النار من قِبل “حزب الله” غير منطقي إذا لم يتوقف إطلاق النار في غزة.

بهذا المعنى يمكن فهم نهج الاستقواء الذي يسيرعليه “الثنائي الشيعي”، ومن ناحية أخرى يمكن تفسير منطق الارتماء على اعتاب الحالة المنافية لمنطق الدولة والقانون والدستور.

وكان من المؤسف ألّا تصدر أصوات اقوى واكثر حزماً داعية رئيس مجلس النواب الى الإقلاع عن تغييب القانون والدستور لا بل الدوس عليهما كما لم يحصل من قبل. والمؤسف اكثر اننا لم نسمع أصواتا من بين المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة ترتفع لتقول لرئيس حكومة تصريف الاعمال ان الحكومة اللبنانية (ورئاستها) ليست “شغّالةً” عند “الثنائي الشيعي” الذي لا يختلف في أهدافه البعيدة عن أهداف “الحشد الشعبي” السيىء الذكر في العراق.

لم يحصل ان بلغت المؤسسات اللبنانية هذا الحدّ من الهوان. ولم يحصل ان بلغ طاقم حاكم هذا المستوى من الانحطاط السياسي والوطني.

النهار

المقال السابق
المال يجر المال والقمل يجر الصيبان… ليس مجرد مثل قروي بل حقيقة عالمية

علي حمادة

كاتب ومحلّل سياسي

مقالات ذات صلة

قصة ملك فرنسا الذي سُجن في مصر

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية