إذا كان من الصعب على البالغات اللواتي يتصفحن منصات التواصل الاجتماعي عدم التأثر بصور المؤثرات والمؤثرين عليها، فكيف للمراهقات والشابات اللواتي يعتبرن أنّ هذه الصور على الرغم من أنها تتغير بوتيرة مرتفعة وبفترة قصيرة، هي التي تحدد معايير الجمال السائدة، والموضة الرائجة وذلك من خلال تركيزها على مواصفات معيّنة مثل “الخصر النحيف” و”الأرداف المستديرة”، ومؤخرا “الساق النحيفة.”
فقبل عشر سنوات، انتشرت موضة عُرفت باسم “تاي غاب” أو “الفخذين غير المتلاصقين” وكانت بمثابة علامة تدل على الجمال. وحذر أطباء من مخاطرها الصحية على التمثيل الغذائي لأن الفتيات يلجأن إلى إنقاص الوزن بشكل كبير، من أجل الحصول على فخذين غير متلاصقين.
وفي المقابل، يقول البعض إنه يمكن الحصول على فخذين غير متلاصقين عن طريق اتباع نظام غذائي محدد مع ممارسة الرياضة بشكل مكثف.
ورغم أن رغبة بعض النساء في الحصول على فخذين غير متلاصقين قد تشكل خطرا عليهن، وخاصة اللاتي يتمتعن بوزن مناسب أصلا، لكن يبدو أن هذا التحذير لا يجد من يصغي إليه، إذ امتلأ محرك البحث “غوغل” باسئلة مثل “هل موضة الفخذين غير المتلاصقين تضر بالصحة؟ وما أسرع طرق الحصول على الفخذين غير المتلاصقين؟”
وتزامن هذا مع ظهور أنماط عديدة للجمال على منصات التواصل الاجتماعي مثل موض ة الخصر النحيف أو شديد النحافة، وقد يصل الأمر إلى أن يصبح الخصر نحيفا لدرجة أن شخصا يمكن أن يلف ذراعه حول خصر الفتاة بِغير تعب، وفي يده زجاجة مياه يشرب منها.
وعلى وقع ذلك، باتت المقاطع المصورة التي تتناول قضايا مثل “ماذا تأكلين اليوم؟ شائعة، حيث ينشر مؤثرون ومؤثرات مقاطع مصوّرة يزعمون فيها أنها تمثل نظامهم الغذائي المعتاد في الأيام العادية، تكون فيها الوجبات الغذائية منخفضة الكربوهيدرات وخالية من السكر.
وفي المقابل، يقول أنصار معسكر “النظرة الإيجابية للجسم” إنه يتعين على البشر أن يتقبلوا أجسادهم كما هي وأن يكونوا سعداء بمظهر وشكل أجسادهم وأن يشعروا بالرضا إزاء ذلك. بيد أنه من غير المرجح أن يصادف مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تؤيد نظرية “النظرة الإيجابية للجسم”، إذا لم يقوموا هم بأنفسهم بالبحث عنها بسبب ان خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي تسترشد بنتائج بحث المستخدمين وتفضيلاتهم. وعمليات البحث الأكثر شيوعا هي عن الخصر النحيف وما شابه ذلك.
تعزيز الثقة بالنفس خلال أسبوع
لقد أظهرت الكثير من الأبحاث أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على مدى احترام المستخدمين لذاتهم؛ إذ كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة “يورك” الكندية عن أن التوقف عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي لفترة زمنية قصيرة، ربما لأسبوع، قد أدى إلى تعزيز الثقة بالنفس.
وقام الباحثون بتقسيم 66 طالبة إلى مجموعتين، حيث استمرت المشاركات في المجموعة الأولى في تصفح منصات التواصل الاجتماعي كالمعتاد، بينما توقف الفتيات ضمن المجموعة الأخرى عن مطالعة منصات التواصل. وقبل التجربة، طرُح تساؤل على المشاركات في المجموعتين عن شعورهن تجاه اجسادهم وهل يرغبن في أن يصبحن عارضات أزياء. وفي نهاية التجربة، جرى طرح السؤال ذاته، حيث أفادت الفتيات في المجموعة الثانية اللاتي امتنعن عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي لأسبوع، بتحسن صور أجسادهن خاصة بعد استيعاب موضة الجسم النحيف كمعيار للجمال.
وعزا الباحثون التحسن الذي طرأ على المشاركات في المجموعة الثانية، ليس فقط إلى حقيقة أنهن ابتعدن عن وسائل التواصل الاجتماعي وإنما أيضا إلى حقيقة أخرى، تمثلت في أنهن قمن باستبدال وقف تصفح منصات التواصل بتنبي سلوكيات أكثر صحة، مثل قضاء وقت أطول مع الأصدقاء أو ممارسة الرياضة أو قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق.
تنامي استخدام منصات التواصل الاجتماعي
ويقول الباحثون إنه بشكل عام يجد الناس - خاصة الشباب - صعوبة في فصل أنفسهم عن وسائل التواصل الاجتماعي في ظل ارتفاع متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم.
ففي مطلع العام الجاري، أعلنت شركة ميتا، التي تمتلك منصات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، أنها ستبدأ في إخفاء المحتوى غير المناسب من حسابات المراهقين على إنستغرام وفيسبوك، بما في ذلك المنشورات المتعلقة بالانتحار وإيذاء النفس واضطرابات الأكل، بحسب فرانس برس.
وقالت الشركة في مدونة إن “المستخدمين المراهقين - بشرط ألا يكذبوا بشأن أعمارهم عند التسجيل في انستغرام أو الفيسبوك - سيرون أيضا حساباتهم موضوعة على الإعدادات الأكثر تقييدا على المنصات، وسيتم منعهم من البحث عن المصطلحات التي قد تكون ضارة”.
ورغم ذلك، يقول الباحثون إنه هذه التدابير لم تحرز حتى الآن سوى نجاح ضئيل، مع إبداء كبرى شركات التكنولوجيا التزاما ضئيلا بتنفيذها. فعلى سبيل المثال، يتطلب قانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي من عمالقة الإنترنت حذف أو إخفاء أي محتوى إشكالي مثل تلك التي يُنظر إليها باعتبارها تمجد اضطرابات الأكل.
لكن تقرير صدر عن مبادرة “ريست” العالمية غير الربحية كشف أنه لم يتم حذف إلا 30% من المحتوى الضار عند الضرورة، مشيرة إلى أن معدل الحذف يقل فيما يتعلق بتطبيق تيك توك، رغم أنه الأكثر انتشارا بين الشباب على مستوى العالم.
يشار إلى أن المرحلة الأولى من قانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي طالت 19 منصة رقمية، من بينها علي إكسبرس وأمازون ستور وأبل آبستور وبوكينغ دوت كوم وفيس بوك وإنستغرام وتيك توك ويوتيوب.