يمكن اعتبار مناورة “حزب الله ” العسكرية عبر الاعلام في الجانب اللبناني، ردا مباشرا من “فيلق القدس” على ثلاثة تطورات شهدتها المنطقة في الشهرين الماضيين . فهي أولا رد على الاتفاق السعودي – الإيراني الذي يشير بصراحة الى احترام سيادة الدول و رفض التدخلات الخارجية في شؤونها و يشير الى مسألة الميليشيات من خارج الدولة . و ثانيا هي رد على جميع المطالب العربية و على رأسها مطالب المملكة العربية السعودية المدرجة في كل الوثائق المرتبطة بلبنان ، و هي الداعية الى تمكين الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية ، و التحول الى مرجعية وحيدة فيها . و أخيرا وليس آخرا ، هي رد إيراني غير مباشر على لائحة المطلوبات من النظام السوري لقاء الانفتاح عليه ، و تعويمه عربيا على الرغم من كل افعاله و ارتكاباته بحق الشعب السوري ، و أيضا الشعب اللبناني . و اهم البنود المرتبطة بالنظام السوري مسألة الميليشيات التي تستبيح سوريا طولا و عرضا .
و اذا اردنا ان نزيد على اللائحة ، يمكن القول ان الرسالة الأكثر بروزا بالمباشر تستهدف الداخل اللبناني للقول ان القرار هو بيد “حزب الله” الفصيل التابع ل”فيلق القدس ” . هذه رسالة تصعيدية موجهة للداخل على خلفية المتغيرات العربية ، و الاستحقاق الرئاسي ، مفادها ان كل المتغيرات في الإقليم لا تبدل شيئا في المعطى على الساحة اللبنانية ،و ذلك بقطع النظر عما يتعلق بقواعد الاشتباك مع الإسرائيليين الخاضع لقرار إيراني على المستوى الاستراتيجي . ان الحزب المذكور يبعث في ما يبعث برسالة تذكيرية الى اللبنانيين تفيد ان الهيمنة على لبنان ، و القرار السيادي فيه امر محسوم و لا رجعة فيه مهما حصل في المحيط الجغرافي و السياسي . و في مكان ما إشارة الى ان الاتفاق السعودي – الإيراني لا يلامس الشأن اللبناني ، بل يتوقف عند حدود العلاقة بين البلدين ، و جزئيا في الساحة اليمنية تاي لا تزال تشهد تقلبات كثيرة.
و من يتابع الشأن العراقي بدقة يكتشف الشيء نفسه في العراق ،في ضوء تقديم حكومة محمد شياع السوداني مشروع الموازنة العامة للدولة و تتضمن نفقات “الحشد الشعبي” الخاضع بمعظم ميليشياته لنفوذ “الحرس الثوري ” في ايران ، و الأرقام تتجاوز ملياري دولار أميركي ، في حين ان عديد “الحشد الشعبي” يتجاوز حسب الأرقام الواردة ال ٢٠٠ الف مسلح ، أي انه ، اذا ما استثنينا الاحتياطي البالغ ١٠٠ الف جندي ، فإنه يوازي تقريبا عديد الجيش الوطني العراقي المقدر ب٢٥٠ الف جندي نظامي . و لا نعرف مدى سيطرة مؤسسة الدولة على الجيش النظامي نظرا لاستحالة تحصين الجيش بمواجة اختراقات الاحزاب و الميليشيات الخاضعة لنفوذ ايران في العراق .
و لمن لا يعرف فإن الشكالية عينها مطروحة أيضا في لبنان ، حيث لانعرف مدى مناعة المؤسسات الأمنية و العسكرية امام احتراقات “حزب الله” الافقية و العامودية من دون ان ننسى الهيمنة في المؤسسة السياسية المتمثلة بالحكومات المتعاقبة .
و يشكل تنصيب مرشح يوالي “حزب الله” و المحور الذي ينتمي اليه في العمق هدفا مهما لاستكمال حلقة الهيمنة الممتدة من السيطرة على الأرض عبر الميليشيا ، الى السيطرة على الشرعية عبر مجلس النواب ، مجلس الوزراء ، وصولا الى رئاسة الجمهورية .
من هنا فإ ن المناورة العسكرية اليوم هي حلقة أخرى في مسار محاولة الاطباق على لبنان و اللبنانيين بشكل كامل .