"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

من يتفوّق أكثر في "ميدان الأنانية "المرأة أم الرجل؟

كريستين نمر
الأحد، 12 يناير 2025

من يتفوّق أكثر في "ميدان الأنانية "المرأة أم الرجل؟

عادة ما تزعم السيدات أنّ الله منّ عليهن بالصبر والحنان والسخاء والمحبة تجاه الغير، وأنهن أكثر تضحية من الرجال وأكثر تعاطفًا مع الآخرين واهتمامًا بهم، بينما يُعتقد أن الرجال أكثر انشغالًا بمصالحهم الخاصة. هل هذا صحيح أم مجرّد صورة نمطية عن الجنسين؟

أظهرت دراسة أجرتها جامعات زيورخ في سويسرا ودوسلدورف وبرلين في ألمانيا أنّ دماغ المرأة أكثر حساسية تجاه الآخرين، ففعل العطاء بالنسبة لهنّ يُفعّل الدوائر العصبية المرتبطة بالمتعة، تمامًا كما يحدث عند تذوّق وجبة شهية أو الاستماع إلى مقطوعة موسيقية جميلة، بينما تنشط هذه الدائرة لدى الرجال عندما يقومون بشيء جيّد لذواتهم.

“عندما تشارك المرأة ما لديها، تنشط مناطق المتعة في دماغها. أما عند الرجال، فتتنشط هذه المناطق عندما يخدمون مصالحهم الشخصية”.

فهل هذه الفروقات تولد مع الإنسان أم أنها تكتسب من خلال التربية والبيئة؟

وفقًا لعلماء الأعصاب، إنّ الفروقات قد تكون نتيجة لتأثير التنشئة المبكرة على الفتيات الصغيرات، حيث يعمل الأهل على السلوكيات الاجتماعية الإيجابية لديهن بشكل كبير منذ سن مبكرة، ويساعدهن تكيّف نظام المتعة العصبي لديهن فيصبح نشطًا عندما تقوم بما هو متوقّع منها، كأن تكون متعاونة وسخيّة وخدومة مثلًا، وعلى النقيض، يعمل هذا النظام لدى الرجال بالطريقة نفسها عندما يحققون الدور الذين يوصفون به اجتماعيًا، أي أن يكونوا تنافسيين.

اختلافات بين الرجال والنساء

في دراستهم هذه، قدّم العلماء السويسريون والألمان للرجال والنساء مبلغًا من المال (حوالي عشرة اورو) وطلبوا منهم إما الاحتفاظ به لأنفسهم أو مشاركته مع شخص آخر، (صديق، زميل، معرفة سطحية أو شخص غريب).

وسجّل الباحثون بعد أن قاموا بحساب الخيارات الأنانية والإيثارية (المعطائي) للمشاركين، وقياس ردود أفعال أدمغتهم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، أنّ السيدات أكثر مشاركة من الرجال بنسبة ٥٢٪ مقابل ٣٩٪، وبالتالي فإن عند اتخاذهن قرارات لصالح الآخرين، تنشط بشكل كبير منطقة رئيسية في دائرة المتعة في الدماغ تسمّى النواة، في حين أن المنطقة نفسها في أدمغة الرجال تنشط أكثر عند اتخاذ خيارات تصبّ في مصلحتهم، مما يؤكد النظرية أعلاه، أن السلوك الذي يحقّق السعادة للمرأة هو العطاء بينما عند الرجل هو المتعة الفردية.

إلا أن المفارقة هو أنه في كلا الحالتين يبحث المرء سواء كان معطاء أو أنانيًا على مكافأة نفسه وراحته النفسية وسواء أكان ذلك في إسعاد ذاته أم في إسعاد الآخرين.

وللتحقق من ذلك، أعطى الباحثون للرجال والنساء مادة الأميسولبرايد، التي تعطّل نشاط دائرة المتعة في الدماغ، فكانت النتيجة أن النساء قلّلن من سلوكهن الغيري، بينما زاد سخاء الرجال.

النساء، مُبرمجات على مساعدة الآخرين منذ الطفولة؟

لكن لماذا، ينشط نظام المتعة لدى النساء عند مساعدتهنّ للآخرين، بينما ينشط لدى الرجال عندما يخدمون مصالحهم الخاصة؟

“لا شيء فطري في هذا الأمر”، كما يؤكد علماء الأعصاب، ويضيفون: نظام المتعة في الدماغ يكون مرنًا للغاية في السنوات الأولى من حياة الإنسان. فإذا كان المحيط يشجّع الطفل على التضحية والسخاء والتعاطف مع الآخرين، فإن نظام المتعة لديه سيعتاد على التنشيط كلما تبنى هذا السلوك، وينطبق الأمر ذاته إذا تم تحفيز الطفل على التصرّف بطريقة فردية.

بحسب مؤلفي هذه الدراسة، فإن برمجة أدمغة الفتيات والفتيان في سن مبكرة جدًا على منظومة معيّنة من القيم والسلوكيات سترافقهم طيلة حياتهم، في حين أن التربية المختلفة بين الجنسين تترك تأثيرات مرئية على العلاقات بينهما، إذ يؤدي تفوق أحد الجنسين في التضحيات على الآخر بالضرورة إلى عدم توازن في بنية المجتمع، خصوصًا في ما يتعلق بالأجور، والوصول إلى المناصب القيادية، وتقسيم المهام المنزلية، وهذا ما يبرّر سبب عدم ارتياح النساء مهنيًا في التفاوض على الامتيازات أو الزيادات في الأجور، ورفض العديد من الرجال تحمّل المهام المنزلية.

وعليه إذا أردنا أن نبني مجتمعًا أكثر اهتمامًا بالآخرين ما علينا إلا أن نربي أطفالنا الذكور على المبادئ ذاتها التي نربي عليها بناتنا، لأنهم يمتلكون أيضًا خلايا عصبيّة مرنة وقابلة للتغيير.

المقال السابق
على ماذا شكر الراعي الله؟
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

الوداع الأخير.. هكذا ساعد طاقم طائرة في لم شمل أم تحتضر وابنتها

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية