"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

من هي أمي؟

رئيس التحرير: فارس خشّان
الخميس، 21 مارس 2024

لم أقدّم شيئًا الى هذه المرأة يستحق الذكر. لم أكن يومًا مثاليًّا، مثل هؤلاء الذين تُظهرهم الروايات والأفلام والمسلسلات ووسائل التواصل الإجتماعي.

ولم تشعرني يومًا أنّ عليّ أن أكون يومًا مثل أيّ من هؤلاء!

علّمتني، من دون عظات، أن أكون ما يجب أن أكون عليه!

لم توهمني يومًا بأنّني الأفضل والأذكى والأجمل والأقوى، على قاعدة “غزال بعين أمّه”، بل عاملتني دائمًا على أساس ما أنا عليه فعلًا، لا أكثر ولا أقل، ف”العادية” بالنسبة لها “نعمة فائضة”!

لم تمتلكني يومًا، مع أنّني فعلًا أنتمي إليها، ولا سألتني الطاعة مع أنّ ذلك ثمن بديهي، ولم تُشغل بالي مرة مع أنّ من حقها أن تتدلّل، ولم تسألني يومًا عمّا في جيبي إلّا لتتأكد أنّني لست محتاجًا.

في بيتها، تعلّمتُ أنّ الإعتدال ليس خطيئة، وأن الإختلاف ليس عداوة، وأنّ النقد ليس تمردًا، وأنّ انعدام الثراء ليس نقيصة وأن الإكتفاء…صلاة!

في بيتها، تيقنت أنّ المحبة قادرة على صناعة المعجزات، وأنّ مواجهة المشكلة أجدى من الهروب منها، وأنّ مصارعة طواحين الهواء لا تجعلني فارسًا!

لم تتغيّر على مرّ السنوات. تبقى هي معالجتي الوحيدة. نظراتها توقظ وجداني. نغمات صوتها تقوّم انحرافاتي. محبتها لم تكن يومًا دافعًا للتستير على عيوبي.

ليست امرأة حديدية هي، ولا مربيّة أجيال، ولا سيدة أعمال. هي فقط سيّدة منزل، ومع ذلك، لم تفشل يومًا في أمومتها!

ما من أم عانت أكثر من أمّي. خفّفت علينا ويلات الحرب التي دمّر فيها صانعو “جبهة المقاومة” منزلنا مرتين. ولم تسمح للنزوح الذي تكرر، مرات ومرات، أن يكون مأساة. ولم تسمح للتجويع الذي رافق حصار المنطقة التي كنا فيها بأن ينال منّا.ولم تترك موت ابنتها يحل علينا وبالًا. ولم تتح للزعران- وما كان أكثرهم- أن ينالوا من النهج الذي رسمته لنا. كانت كالدجاجة حين نحتاج الى حراراة وكاللبوة حين نحتاج الى حماية!

لم تحب الأفاعي يومًا، فأبعدتنا عن “حكمتها”!

لا انتشت لنجاح ولا انهارت أمام فشل. أدركنا معها أنّ لكل انبهار حدودًا ولكل مصيبة نهاية.

كلّما ذهبت إلى بيتها، أعود ذاك الولد الشقي الواثق من نفسه!

عندما أمعن في مراقبتها، أدرك من أنا. لم أكن أعرف ذلك، إلّا عندما كسر القدر إجباري على ابتعاد طويل عنها. حاليًا، حين أكون بعيدًا عنها وأشتاق إليها، أنظر في المرآة، فأراها!

لا ليست امرأتي هذه كيانًا مثاليًّا صنعه الخيال، ولا أنا من أبطال صاغتهم الرومانسية. هي فقط أمّي التي لا تشيخ وأنا طفلها الذي داهمه الشيب.

وهذه نعمة تكفيني وأعرف أنّها تكفيها!

كل عام وأنت الربيع يا أمّي!

المقال السابق
نديم الجميل قرر "تحميل" حراسه أسلحة غير مرخصة ..لماذا؟
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

لماذا لجأ نصرالله إلى "برج الحمام"؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية