عيّنت “الجمهورية الإسلامية في إيران” الشيخ نعيم قاسم، أمينًا عامًا ل”حزب الله”، بعدما اغتالت إسرائيل كلًّا من الأمين العام السابق حسن نصرالله وخليفته “المحتمل” هاشم صفي الدين. لم يكن قاسم مهيّئًا ليكون الرجل الأوّل في “حزب الله”، فهو طالما نُظر إليه على أساس أنّه “الرجل الثاني” في الهرمية الظاهرية، إذ جرى تعيينه، في العام 1991 على “عهد” الراحل عباس الموسوي، في منصب نائب الأمين العام واستمر في هذا المنصب، بعد تعيين نصرالله خليفة للموسوي الذي كانت إسرائيل قد اغتالته، في العام ١٩٩٢!
إذًا، من كان يفترض به أن يبقى “الرجل الثاني” في الحزب قفز ليصبح “الرجل الأوّل”!
ماذا يعني ذلك؟
وفق مبدأ “بيتر” للكفاءات والقيادات، فإنّ أخطر ما يمكن أن يتعرض له هؤلاء المبدعون في دور الرجل الثاني هو أن يتم تسليمهم وظائف الرجل الأوّل، لأنّ من شأن ذلك أن ينقلهم من مستوى الكفاءة الى مستوى اللاكفاءة.
ولأنّ الشيخ نعيم قاسم “ليس غريبًا عن أورشليم” فإنّ الجميع يعرفونه عن كثب. لا يهم ما هي نظرة القيادات السياسية والمرشحين للرئاسة والوزارة والنيابة به، لأنّ الأهم يتمحور حول نظرة الرأي العام له!
بالنسبة لكثيرين في الشارع اللبناني، يفتقد الشيخ قاسم، للكاريزما، فهو، بالتالي، لا يصلح للإقناع والتحشيد ولا للمرجلة والتهديد. عندما يخطب، يُشعرك بأنّه يردد ما يقوله له الآخرون. حتى لو كانت الكلمات كلماته، فهو يوحي لك بأنّه يستنسخها. يسعى الى إقناعك، بأنّه سيّد المنبر، ولكنّك تجد أنّ المنبر سيّده. في المرجلة، جسده لا يساعده، فهو يبدو كالدعويقة التي تتصرف كالنسر. وفي التهديد لا تصدقه، فهو يشبه كميل شمعون جونيور وهو يهدد “حزب الله” بعشرين ألف مقاتل!
مقارباته، ولو كانت صحيحة، إلّا أنّها طالما غرقت في الأمثلة المسطحة. يذهب بعيدًا في إعطاء الأمور العادية أبعادًا فلسفية. في مكان ما طالما حلم بأن يكون على قياس العلامة الراحل محمد حسين فضل الله، بعدما عمل تحت جناحيه لمدة من الزمن، قبل أن يهجره الى “المرجعية الإيرانية”.
في عقيدته، لا يختلف بشيء عن غيره. نحن بالنسبة إليه ما كنا عليه بالنسبة لنصرالله وصفي الدين ومحمد رعد وعلي عمار وعلي مقداد ومحمد عفيف ونواف الموسوي، أي مجرد كائنات وُجدت لتخضع، إن لم يكن بالترغيب فالترهيب، ولبنان بالنسبة إليه ليس سوى مساحة جغرافية في خدمة أهداف الجمهورية الإسلامية، ولكن ما يمكن أن يُريحنا فيه أنّه، وعلى خلاف ما كان عليه نصرالله، ليس وليًّا لا تجوز مناقشته، بل هو رجل يشغل منصبًا رفيعًا، وكلامه “قابل للأخذ والرد”!
ولاؤه لإيران بعمق ولاء الآخرين، ولكنّ أسلوبه في التعبير عن ذلك، فيه تبعية مفرطة، وهذا سوف يساعد كثيرين ممّن يجادلون ضد الهيمنة الإيرانية على القرار اللبناني بقوة “حزب الله”.
إذا غيّرت إيران نهجها في لبنان، وتبنّت ذاك الذي يرسمه رئيسها مسعود بزشكيان، فنعيم قاسم سوف يكون في مكانه الصحيح. فهو، في “النعومة” شيخ طريقة. أمّا إذا قررت إيران المثابرة على نهجها السابق، فمشكلة قاسم “المعنوية” في المستقبل مع “حزب الله” لن تكون أقل من مشكلته الجسدية راهنًا مع إسرائيل!
بصدق، تعيين نعيم قاسم أمينًا عامًا ل”حزب الله” ليس كما حاول البعض أن يوجي بأنّه من علامات “معافاة” حزب الله من الضربات الموجعة التي ألحقتها إسرائيل به، بل هو تأكيد على مدى عمق أزمة الحزب المستجدة!