تستغل السلطات الإسرائيلية سقوط نظام بشار الأسد لمحاولة العثور على مكان دفن الجاسوس الإسرائيلي الأشهر في سوريا إيلي كوهين، وفقا لمنافذ إخبارية إسرائيلية.
ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن تقارير لبنانية القول إن إسرائيل بدأت اتصالات داخل سوريا وخارجها لمحاولة العثور على معلومات حول مكان دفن الجاسوس.
يُعتبر كوهين، الذي جسّدت “نتفليكس” سيرته في مسلسل قصير لاقى نجاحا واسعا في 2019، بطلا قوميا في إسرائيل منذ أعدمته السلطات السورية شنقا في ساحة المرجة في دمشق عام 1965 بعدما نجح في اختراق أعلى مستويات النظام في هذا البلد.
في صيف 2018، أعلنت إسرائيل أنها استعادت ساعة اليد التي كان يضعها كوهين والتي كانت جزءا من “هويته العربية الزائفة” وذلك بفضل “عملية خاصة نفذها الموساد في دولة عدوّة”.
في عام 2021 أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن حكومته تبذل جهودا حثيثة للعثور على رفات كوهين، وإعادتها إلى إسرائيل.
وفي تلك الفترة سرت معلومات بشأن مفاوضات تجريها إسرائيل مع روسيا، حليفة النظام السوري، من أجل استعادة أغراض شخصية أخرى لكوهين، وصولا حتى إلى رفاته.
“العميل 88”
ولد كوهين في مدينة الإسكندرية المصرية في 26 ديسمبر عام 1924 باسم إليهو شاؤول كوهين لأسرة يهودية هاجرت إلى مصر من حلب السورية.
كان الرجل يتحدث العربية والإنكليزية والفرنسية بطلاقة، ما ساهم لاحقا في تعزيز فرص للعمل في الاستخبارات الإسرائيلية.
يقول موقع “مجموعة ٧٣ مؤرخين” نه انضم إلى منظمة الشباب اليهودي في الإسكندرية وبعد حرب 1948 كان يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى إسرائيل.
وبحسب منظمة “إي آي سي إي” الإسرائيلية المعنية بتعزيز العلاقات الأميركية الإسرائيلية في رواياتها عن تاريخه، فقد هاجرت عائلة كوهين إلى إسرائيل عام 1949 بسبب المضايقات التي تعرض لها اليهود في تلك الفترة بينما بقي هو لإنهاء دراسته الجامعية وممارسة نشاطاته مع الحركات الصهيونية في مصر.
عتقل كوهين على خلفية هذه النشاطات لكن لم يعثر على أي دليل يدينه، وورد اسمه في عملية “سوزانا” او “فضيحة لافون” وهي عملية قام بها يهود لتفجير مؤسسات أميركية وبريطانية داخل مصر بهدف إشاعة حالة من عدم الاستقرار تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في تشجيعها بريطانيا على سحب قواتها من مصر.
التحق بأسرته عام 1955 وهاجر إلى إسرائيل وحصل على دورات عسكرية في التجسس، وعندما عاد إلى مصر في العام التالي كان موضع شك من قبل السلطات المصرية التي وضعته تحت المراقبة.
وبعد حرب ا لسويس عام 1956 خرج من مصر ليستقر به المقام في إسرائيل في عام 1957.
عمل كوهين في مجال المحاسبة، لكنه كان يرغب في العمل لدى الاستخبارات الإسرائيلية. ونظرا لملامحه العربية وولادته في بلد عربي وإتقانه أكثر من لغة، كان مؤهلا من قبل الموساد للقيام بمهمة صعبة في سوريا.
تلقى تدريبات استخباراتية مكثفة من بينها التدريب على إتقان اللهجة السورية، وأصبح اسمه الجديد “كامل أمين ثابت”، ليسافر إلى الأرجنتين للترويج لنفسه باعتباره تاجرا عربيا ثريا.
هناك وضع لنفسه مكانة قوية في الأوساط الاجتماعية والثقافية وأقام علاقات بكبار الدبلوماسيين والملحقين العسكريين ومن بينهم أمين الحافظ الملحق العسكري في السفارة السورية ببيونس أيرس الذي سيصبح لاحقا رئيسا لسوريا.
كان يعرف في صفوف الموساد الإسرائيلي باسم “العميل 88”، حيث سافر إلى سوريا ليدعي أنه مغترب سوري مهاجر من الأرجنتين ونجح هناك في بناء سمعته كرجل أعمال ناجح متحمس لوطنه الأصلي سوريا.
وطد علاقته هناك بكبار الشخصيات في حزب البعث الذي كان قد صعد نجمه في ذلك الوقت. كان كوهين يستقبل كبار المسؤولين في منزله في سهرات خاصة، يستطيع من خلالها انتزاع المعلومات الحساسة، ثم ينقلها عبر جهاز راديو من شقته في دمشق إلى الموساد.
أصبح محل ثقة الجميع في الحكومة، ما مكنه من مرافقة كبار الضابط إلى مرتفعات الجولان الاستراتيجية، بل والتقاط صورة واقفا وهو ينظر إلى إسرائيل في الجهة المقابلة.
اعتبرت المعلومات التي حصل عليها كوهين بالغة الأهمية لاحتلال إسرائيل مرتفعات الجولان السورية في حرب 1967.
في ذلك الوقت كانت خطط دفاعات الجولان من المعلومات السرية التي لا يعلمها سوى كبار القادة العسكريين في سوريا.
تقول منظمة “إي آي سي إي” إن كوهين نقل إلى الاستخبارات الإسرائيلية معلومات عن “كل بندقية سورية وخندق ورشاش في كل حصن من مرتفعات الجولان، كما تم تحديد مصائد الدبابات التي كانت مصممة لإعاقة أي هجوم إسرائيلي”.
أصبح الحافظ رئيسا وأراد ترشيح كوهين في منصب نائب وزير الدفاع، بحسب تقارير إسرائيلية، لكن لم تتم الخطة لأن الاستخبارات السورية في ذلك الوقت رفضت ذلك.
بداية النهاية
في تلك الفترة كان هناك انزعاج لدى السوريين من المعلومات الاستخباراتية التي كانت تسرب خارج البلاد. لاحظ السوريون أن الكثير من قرارات الحكومة السورية يتم بثها في الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية فاستخلصوا أن “جاسوسا إسرائيليا مقربا من القيادة السورية يعمل لمصلحة إسرا ئيل” وبدأوا البحث عنه.
تم تحديد مصدر تسريب المعلومات، وكان منزل كوهين. وفي يناير 1965، اقتحمت الاستخبارات السورية منزله واعتقلته.
بعدها قررت محكمة عسكرية سورية إعدامه شنقا، وقادت وزارة الخارجية الإسرائيلية حملة دولية لمنع تنفيذ الحكم، لكن المحاولة فشلت حتى تم إعدامه أمام جمع غفير من الجماهير في ساحة المرجة في دمشق.