بعد إعلان ملك بريطانيا تشارلز قبل أيام عن خوض معركته العلاجية ضدّ السرطان، احتشد أفراد عائلته من حوله وعرضوا بصدق تقديم الدعم له. لكن مع استنفاد خيارات عددٍ من الأعضاء النشطين في العائلة في الوقت الراهن - بسبب الكثير من المشكلات الصحية أو غيرها من العوائق - يبقى القليل من كبار الأشخاص القادرين على سد الفجوة، لجهة التعامل مع الواجبات العامة للملك، وضمان استمرارها.
وفي إطار أخذ زمام المبادرة، تقدمت كل من الملكة (كاميلا) والأميرة آن (شقيقة الملك) وصوفي دوقة إدنبره (زوجة شقيقه الأصغر إدوارد)، اللواتي يشكلن ثلاثياً يمكن إذا صح التعبير أن تُطلق عليه من الآن فصاعداً تسمية “ملائكة تشارلي”. حتى أن كاميلا لديها تسريحة شعر فرح فاوسيت الشقراء المميزة في المسلسل الشهير “ملائكة تشارلي” Charlie’s Angels.
وكما هي الحال في معظم الأسر، ففي أوقات الأزمات، غالباً ما تكون النساء هن اللواتي يتولين المسؤولية. وفي هذه الحالة، لا يقتصر دورهن على تدبير الشؤون المنزلية فحسب، بل يتحملن أيضاً مسؤولياتٍ تتعلق بالدولة.
الملكة كاميلا تبدو مترفعةً وهادئة ظاهرياً، لكن خلف هذا السلوك المنضبط توجد امرأة تتمتع بقوة ومرونة هائلتين. فهي تجسد صورة المرأة القادرة على أن تكون هادئة، وتتمتع في المقابل بصلابة داخلية، وبقدرةٍ على تقديم الرعاية والتشجيع، لكنها حازمة وتقف أيضاً بثبات عند الحاجة. ولا بد من أن تكون الأ عوام التي تعرضت لها لانتقاداتٍ دائمة وقاسية من جانب منتقديها، قد عززت التصميم لديها وزادت من عزمها.
وفي معرض تعليقها على التعقب الإعلامي المكثف الذي عقب وفاة الأميرة ديانا، أعربت كاميلا عن مدى فظاعة التجربة، قائلة: “لا أتمنى ذلك لأي شخص، ولا حتى لألد أعدائي”.
وفي وثائقي أعدته شبكة “بي بي سي” عن الملك تشارلز - عُرض في ثاني يوم عيد الميلاد - تمت الإشارة إلى الملكة بلقب “صخرته”، من جانب شقيقتها أنابيل إليوت، التي وصفت كاميلا أيضاً بأنها “يين” Yin لـ “يانغ” Yang تشارلز (مفهوم “يين” و”يانغ” نشأ في الفلسفة الصينية لوصف قوتين متضادتين لكن المترابطين والمستمرتين). ووصفتهما الليدي لانسداون (أرستقراطية بريطانية عملت وصيفةً لكاميلا) التي عرفتهما منذ أكثر من 50 عاماً، بأنهما شكلا “فريقاً استثنائيا”. وقالت: “سواءٌ كان ذلك نتيجة التغلب على التحديات معاً أو لمجرد مواجهتهما التجارب المشتركة التي مرا بها، فقد تشكلت روابط قوية للغاية بينهما”.
وفي الوقت الذي تتفهم فيه كاميلا التقلبات المزاجية والعاطفية لزوجها - بحيث يُشاع أن النهج الذي اتبعته هو “التراجع، والسماح له بالتعبير عن مشاعره، ثم المضي قدماً بهدوء” - فهي تمتلك أيضاً فهماً فطرياً لدورها عندما تتولى بعضاً من مسؤولياته العام ة، من دون أي شكوى. ولا يحتاج المرء إلا لملاحظة رباطة جأشها أثناء حفل التتويج - فقد كانت ملكيةً ومتوازنةً ومكرسة بالزيت المقدس، ومتوجةً (بشكلٍ كبير) - وهي تضع اللمسات الأخيرة على انتقالها من دور الملكة القرينة إلى دور الملكة، وبالتالي وضع حد لأعوام من التكهنات والجدل في شأن اللقب الذي ستحمله في نهاية المطاف، نظراً إلى ماضيها عشيقةً سابقة لتشارلز.
ويبدو أن كاميلا استعدت بدقة للتوقعات الملقاة على عاتقها الآن. ففي الأعوام الأخيرة، تولت بسلاسةٍ وثبات دوراً أكثر بروزاً داخل العائلة المالكة. شمل ذلك جلوسها إلى جانب الملكة إليزابيث الراحلة في عربة موكب “اليوبيل الماسي”، وحضورها الافتتاح الرسمي للبرلمان.
كما أن شقيقة الملك آن، تُشتهر بأخلاقيات العمل الدؤوب، لا بل أنها في الواقع تستمتع بالانخراط في العمل الجاد والاضطلاع بمسؤولياتها. ففي العام الماضي، استعادت لقب العضو “الأكثر اجتهاداً” في مؤسسة العائلة الملكية، بحيث قامت بـ 457 مشاركة عامة - متجاوزةً جميع الأفراد الآخرين في عائلتها. وفي أسبوع عادي، شاركت الأميرة آن بأكثر من اثنتي عشر فعالية، وكانت أول مَن انطلق في جولةٍ ملكية دولية هذه السنة، قادتها إلى سريلانكا الشهر الماضي.
وكانت أيضاً أول عضوٍ في العائلة المالكة يتابع القي ام بواجباته العامة بعد تشخيص إصابة الملك المفاجئ بالسرطان. ففي وقتٍ سابق من ذلك اليوم، ترأست حفل تكريم في قلعة ويندسور، حيث قدمت أوسمة لقائد الفرقة الموسيقية أيفور بولتون، والتينور الاسكتلندي نيكي سبنس، والحكم في اتحاد لعبة الرغبي سارة كوكس، ولاعب دوري الرغبي على الكراسي المتحركة جيمس سيمبسون.
وهي تشارك بنشاط في أكثر من 300 منظمة خيرية، وإحدى أبرز قضاياها هي دعم “صندوق ويتلي للطبيعة” Whitley Fund for Nature. هذا الصندوق يستضيف حفلاً سنوياً تُوزع خلاله منح بقيمة 500 ألف جنيه استرليني (630 ألف دولار أميركي) على دعاة الحفاظ على البيئة في مختلف أنحاء العالم. وعلى غرار شقيقها الأكبر، تكرس آن جهودها بإخلاص لإتمام التزاماتها، وتشارك بنشاط في كل حفل لتقديم الجوائز شخصياً وإلقاء الخطابات. إن أخلاقيات العمل الجديرة بالثناء لدى الأميرة آن التي أشادت سابقاً بصفات زوجة شقيقها (كاميلا) لفهمها “دور الملكة” - تجعلها خياراً طبيعياً لدعم الدائرة الداخلية الشخصية للملك تشارلز.
ماذا عن صوفي زوجة شقيق الملك؟ قبل زواج دوقة إدنبره من الأمير إدوارد، أمضت أعواماً عدة في العمل في مجال العلاقات العامة، بما فيها عملها لفترةٍ بارزة في إذاعة “كابيتال راديو” Capital Radio وإدارة شركتها الخاصة. وإذا كان بإمكانها التعامل مع مجموع ةٍ متنوعة من الشخصيات - بمَن فيهم المشاهير والذين يتولون تنسيق الأغاني - وكانت تُعد من لا شيء تقارير جميلة، فلا شك أنها تمتلك القدرة والمؤهلات اللازمة لتولي دورٍ أكثر أهمية داخل العائلة المالكة.
هذا الدور من المرجح أن تتبناه الدوقة صوفي، ففي نهاية المطاف كانت هناك علاقة وثيقة تربطها بالملكة، حتى أن الخبراء المعلقين على الشؤون الملكية وصفوها بأنها كانت إحدى “المفضلات” لدى الملكة. كما أن علاقتها الوثيقة مع تشارلز كانت جلية للعيان، فقد شوهدت وهي تشارك لحظاتٍ مؤثرة مع شقيق زوجها في قداس الكومنولث في كاتدرائية وستمنستر العام الماضي. يضاف إلى ذلك، أنه عندما ابتعد الأمير هاري وميغان ماركل عن دائرة الضوء، تقدمت إليهما صوفي وإدوارد بحماسة واضحة.
وفيما اختار زوجها أخذ استراحة لبعض الوقت من واجباته العامة، فإن من غير المرجح أن تحذو صوفي حذوه. لا بل على العكس، من المتوقع أن تتقدم ليس لدعم زوجها فحسب، بل أيضاً لمساندة سِلفها. وبعدما واجهت تحدياتها الخاصة، أظهرت مرونةً وعزيمةً قوية في أوقات الشدائد.
وفي حين أن أحداً قد لا يرغب في تحمل مسؤولياتٍ إضافية أثناء خضوع الملك للعلاج الطبي، إلا أن أنها فرصةٌ للنساء الملكيات للكشف عن قوتهن الناعمة، وإضفاء الطابع الإنساني على مؤسسةٍ هي في أمس الحاجة لذلك. وسيكون من المفيد لهن استخدام مواهبهن لتشكيل نظام ملكي يعكس المجتمع المعاصر، ويعزز روابط أقوى مع الناس. علاوةً على ذلك، من الأفضل لهن الانخراط في أنشطة تتجاوز الأدوار الاحتفالية التقليدية، مثل قص الأشرطة، والتلويح باليد، وارتداء الفساتين الأنيقة.
هناك في الواقع حاجة لهؤلاء النسوة الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، لأنهن لا يقدمن الدعم للملك فحسب، بل أيضاً لنساء أخريات داخل “المؤسسة الملكية” اللواتي اضطُررن إلى التراجع. فقد كشفت سارة فيرغسون، دوقة يورك والزوجة السابقة للأمير أندرو شقيق الملك، في رسالةٍ عشية رأس السنة الجديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، أنها خضعت لعملية استئصال ثديٍ ناجحة، و”تغلبت على سرطان الثدي”. وذكرت أيضاً في زلة لسان، أنها أطلقت على ثديها الأيسر المُعاد بناؤه اسم “ديريك”. وعلى رغم تشخيص إصابتها بسرطان الجلد الخبيث (وتحديداً الورم الميلانيني الخبيث) منذ ذلك الحين، إلا أنها لا تزال تحافظ على “معنويات جيدة”.
وهناك أيضاً أميرة ويلز كايت ميدلتون التي خضعت لعملية جراحية كبرى في البطن الشهر الماضي، من دون إثارة ضجةٍ كبيرة. وهي تتعافى في الوقت الراهن في منزل العائلة في ويندسور، الأمر الذي يجعلها خارج دائرة الضوء حتى ما بعد عيد الفصح. وتزامنت أخبار الإجراء ال طبي للأميرة مع الكشف عن أن الملك يخضع لعلاج طبي من تضخم حميد لغدة البروستات، الذي شكل بداية رحلته الطبية.
وفي ظل مجمل هذه المخاوف الصحية وفترات الغياب التي أدت إلى تقليص عدد الأفراد الفاعلين في العائلة المالكة، نجد أيضاً أن الأمير ويليام قد أخذ خطوةً إلى الوراء في ممارسة واجباته العامة، لتقديم الدعم لأطفاله الثلاثة بعد العملية الجراحية التي خضعت لها زوجته. كذلك انسحب الأمير إدوارد موقتاً من ارتباطاته العامة، لاستعادة نشاطه بعد زياراته الرسمية الأخيرة إلى جنوب أفريقيا وسانت هيلينا. وفي هذا السيناريو، من الواضح أن كاميلا وآن وصوفي هن “الملائكة” الحقيقيات اللواتي سيحافظن على استمرارية الشؤون الملكية.
(إندبندنت)