"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

من دمشق إلى بيروت.. طريق "الضرورة" المغمّس بالمهانة!

كريستين نمر
الثلاثاء، 22 أبريل 2025

من دمشق إلى بيروت.. طريق "الضرورة" المغمّس بالمهانة!

لا يمكن لإنسان أن يتخيّل حجم الإذلال”… بهذه الكلمات اختصرت، صديقتي اللبنانية الفرنسية من أصول سورية تجربتها المريرة على الحدود اللبنانية، بعد زيارة قصيرة إلى دمشق، مسقط رأسها، عائدة إلى مقر إقامتها الدائم في باريس عبر مطار رفيق الحريري الدولي. فما كان يُفترض ان يكون معبرًا عاديًا نحو العاصمة بيروت التي يشكّل مطارها نافذة السوريين شبه الوحيدة إلى العالم، تحوّل إلى محطة مؤلمة بسبب سوء المعاملة والتمييز، مما دفعها لإطلاق صرخة موجعة: “على اللبنانيين أن يخجلوا من أنفسهم”.

بدأت معاناة السوريين العابرين إلى لبنان منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد عام ٢٠١١، لكنها بلغت ذروتها بعد سقوط النظام وفرار رأسه في الثامن من كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤. فمع هذا التحوّل، عاد تدفّق السوريين إلى لبنان بوتيرة متصاعدة، في وقت كان البلد قد استقبل سابقًا أكثر من مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، ما فاقم التحديات الأمنية والاجتماعية، وأعاد فتح ملف العبور واللجوء بطريقة أكثر تعقيدًا وحساسية.

أصوات كثيرة تتحدث عن تدقيق قاسٍ ومهين، وعن نبرة متعالية يُعامَل بها العابر فقط لأنه عائد من وطنه عبر ممر اضطراري، وروايات متعددة تتحدّث عن ساعات انتظار في الطوابير الطويلة، وعن وجوه متجهّمة، وأسئلة تُطرَح بنبرة الشك، حتى لمن يحمل إقامة أجنبية أو يعيش منذ سنوات في بلاد الاغتراب ويحمل جنسيات دولها.

وتروي فاتن، التي كانت برفقة شقيقها الحامل للجنسيتين الكندية والسورية، تفاصيل تلك “اللحظات المُهينة” التي طبعت عودتهما من سوريا إلى لبنان. وعلى الرغم من أن شقيقها يحمل جواز سفر كنديًّا صالحًا وإقامة أوروبية، لم تُشفع له أوراقه أمام نبرة الشكّ والريبة التي واجهتهما على نقطة المصنع.

تصف فاتن طريقة تصرّف رجال الأمن العدائي ونظراتهم المشحونة: ” كأننا أعداء نحاول التسلل، لا مجرد مسافرين نمرّ في طريقنا، كانت هناك أمهات مع أطفال نائمين على الأرجل، رجال مسنّون، ووجوه يكسوها التعب، لكن لا أحد يهتم، فقط صمت وقلق وعبور بطيء مشحون بالتوتر”.

وتُشدّد فاتن على أن ما عايشته لم يكن حالة فردية، بل مشهدًا يوميًا يتكرّر مع كل سوري، حتى لو كان يحمل إقامة أوروبية أو وثائق سفر قانونية، مضيفة: “ما يحصل على الحدود ليس أمنًا، بل هو إذلال ممنهج. إنه تذكير مؤلم بأن الكرامة يمكن أن تُعلّق على بوابة عبور، وأن الجغرافيا أقوى أحيانًا من الهويات”.

مما لا شكّ فيه أن الهاجس الأمني يشكّل الخلفية الأساسية لما يجري على الحدود اللبنانية السورية، إذ تخشى الجهات الرسمية اللبنانية تسلل عناصر مرتبطين بفلول النظام السوري السابق او بجماعات يمكن أن تلحق الأذى بالأمن القومي، وتفاقم هذا الهاجس في ظل غياب رؤية واضحة أو اتفاقية منظمة تضبط آلية العبور. ولهذا تبقى الإجراءات خاضعة لاجتهادات فردية وتعليمات متقلبة، ما يفتح الباب أمام ممارسات تتّسم أحيانًا بالقسوة أو التمييز، خاصة في ظل غياب إطار قانوني واضح يُنظّم العلاقة على المعابر الحدودية.

لكن هذه المعاملة، قد تُشعر السوري، ولو كان بريئًا من كل شبهة، أنه متّهم بحكم الانتماء، وتجعله يتساءل: ما الذنب الذي أقترفه في أن أزور بلدي وأرى أهلي؟ ولماذا يأخذون “الصالح في عزا الطالح” فيحوّلون الحدود مكانًا للتأنيب بدل أن تكون جسر عبور؟

إن واجب الدولة أن تحمي، نعم، لكن واجبها أيضًا أن تحافظ على الكرامات، وأن تضع معايير واضحة، لا أن تترك الناس تحت رحمة مزاج عنصر أو تعليمات ضبابية، إذ يفترض أن تتم مقابلة هؤلاء الذين يعودون إلى وطنهم حاملين الحنين لا الأسلحة، والدموع لا المؤامرات، والشوق لأمهاتهم ولرائحة بيوتهم، وفق قواعد التواصل السليم، بحيث تكون الإنسانية هي القاعدة، لا الاستثناء.

المقال السابق
تقارير عن توقيف سوريا ل"مقاومين" فلسطينيين
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

أحد هؤلاء الستة يمكن أن يخلف البابا فرنسيس

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية