"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

من المتكرر إلى المتكرّر": قراءة في المبادرات الماكرونية تجاه لبنان في ضوء 40 سنة من الإنتفاضات المتشابهة في فرنسا"

فارس خشّان
السبت، 1 يوليو 2023

من المتكرر إلى المتكرّر": قراءة في المبادرات الماكرونية تجاه لبنان في ضوء 40 سنة من الإنتفاضات المتشابهة في فرنسا"

عندما يظهر أنّ “الإنتفاضة” الحالية التي تواجه السلطات الفرنسيّة، ليست سوى “تكرار” لانتفاضات مماثلة شهدتها البلاد، في الأماكن نفسها، ووفق السيناريوهات نفسها، وللأسباب نفسها، يصبح من حق اللبنانيّين أن يطرحوا سؤالًا كبيرًا عن جدوى المبادرات الفرنسية تجاه “بلاد الأرز” وموقعها الحقيقي من الشعار الجميل الذي يتم اعتماده: الإنقاذ!

ما تمرّ به فرنسا، هذه الأيّام، من اضطرابات “حارقة” تحتوي على الكثير من مكوّنات “الإنتفاضة”، ليس جديدًا، بل هو يتكرّر، بشكل دوري، منذ العام 1979 حين وقعت اضطرابات خطرة في إحدى ضواحي مدينة “ليون”.

ولم تنجح الطبقة السياسيّة الفرنسيّة، على الرغم من تناوب يمينها ويسارها، على السلطة في إيجاد حلول تحول دون تكرار هذه الإضطرابات المأساوية، بأسبابها ونتائجها وتداعياتها، على الرغم من اتساع المسافة الزمنية الفاصلة بين العامين 1979 و2023.

ولا يعود هذا الفشل الفرنسي إلى جهل بالاسباب التي تجعل هؤلاء الذين يشعرون بالتهميش ينتفضون وينقضّون على الممتلكات الخاصة والعامة وعلى كل ما يرمز الى الدولة، بل إلى ما يسمّيه بعض “فلاسفة السياسة” في فرنسا باستراتيجية “شراء الوقت”، بحيث تكتفي السلطات، من أجل التخلّص من أعباء الإنتفاضة، باعتماد حلول مرحليّة تقوم على جناحين: احتواء أمني، من جهة وتوزيع الأموال، من جهة ثانية.

وبهذا المعنى، فإنّ السلطات الفرنسية، كما بيّنت التجارب الكثيرة، تعمل على “استرضاء المستائين” وليس على تجفيف مصادر الإستياء التي تنشئ، في كلّ مرحلة زمنيّة، جيلًا جديدًا يكرّر ما فعله هؤلاء الذين سبقوه وحلّ مكانهم!

ويعرف الجميع أنّ المجتمع الفرنسي يواجه “مزيجًا خطرًا” من المشاكل التي لا بدّ من الإنكباب على معالجتها، مثل: الهجرة اللا إندماجية، سوء الخدمات العامة وتدني المستوى التربوي في المناطق “الصعبة”، البطالة، صعوبة ظروف العمل، العزل، العنصريّة، عدم فاعليّة القضاء في ظل النقص المتمادي في قدرة السجون الإحتوائيّة، تفشّي الجريمة المنظمة في “مدن ضمن المدن”، وخلاف ذلك من الأسباب.

وتنتج هذه المشاكل المتراكمة أجيالًا لا تقيم لسلطة الدولة أيّ اعتبار، وتؤزّم علاقاتها مع ممثّلي الجمهوريّة الأمنيّين والإداريّين والسياسيّين.

ويسمح هذا السلوك السلطوي “المتخاذل” و”الإسترضائي” لنوعين من أخطر أنواع السياسيّين بالإصطياد في الماء العكر: اليمين المتطرّف الذي يُغذّي في خطابه الغضب والعنصريّة والعرقيّة، واليسار المتطرّف الذي يخلق مظلّة لكل من يرى في السلطة القائمة عدوًّا لا بد من الإطاحة به!

وهذا النهج الفرنسي يقودنا الى فهم المكوّنات التي تتّسم بها المبادرات التي تحملها السلطات الفرنسيّة الى لبنان، إذ يبدو واضحًا أنّ خلفيّتها الفعليّة تقوم على استرضاء “المشكلجي” على حساب ” المسالمين”.

ففي مبادرة إيمانويل ماكرون، في خريف العام 2020، تمّت إزالة كل البنود التي أثارت استياء “حزب الله”، ومن ثمّ جرى، ومن أجل استرضاء “الثنائي الشيعي” قبل أيّ طرف سياسي آخر، تحويل حكومة الإختصاصيّين الإنقاذيّة الى حكومة أقنعة.

وأنتج ذلك الكثير من الموبقات، بحيث تمّ استيعاب الحركة النشطة للمجتمع المدني، وتعويم الطبقة السياسيّة، وإهدار ما كان قد بقي من احتياطات “نادرة” في مصرف لبنان.

وفي السعي الفرنسي لاحقًا إلى ملء الشغور الرئاسي، اعتمدت السلطة الفرنسية “المبدأ الإسترضائي” نفسه، فكان قوام نهجها تبنّي سليمان فرنجية، ليس بصفته الشخصية، بل بصفته مرشح “الثنائي الشيعي” ومحاولة تسويقه، بالتهويل حينًا وبالدبلوماسيّة أحيانًا، على القوى السياسيّة الأخرى في البلاد.

وكما فعلت في المدن والضواحي الفرنسية فعلت السلطة الفرنسية في لبنان، فهي بدل أن تنكب على معالجة الأسباب المولّدة للمآسي المتكرّرة، وهي معروفة من الجميع، إذ تجد مكوّناتها الأساسيّة في قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بلبنان، عملت على استرضاء مسبّبي هذه المآسي ومكافأتهم، لعلّها بذلك تجذبهم الى صفوفها، وتحقق، من خلالهم، إنتصارًا مؤقّتًا ومنافع مرحليّة!

إنّ ما تشهده فرنسا في هذه الأيّام، كردة فعل على إقدام شرطي على قتل ” الصبي المتمرّد” نائل، الجزائري الأصل، “سبقت مشاهدته”. بطبيعة الحال، لا تزال فرنسا تملك القدرة على احتواء ما حصل ويحصل، بغض النظر عن المدّة التي يمكن أن تستغرقها “الإنتفاضة”، ولكن، بطبيعة الحال أيضًا، لا يستطيع الشعب اللبناني أن يتحمّل تكرار رؤية ما يعيشه، منذ خريف العام 2019، حتى يرى “المعادلات الفاشلة” في حلّ المشاكل، تنتقل إليه!

المقال السابق
مقتل شابَين من آل طوق في القرنة السوداء ومساعٍ لـ"وأد الفتنة" بين بشرّي والضنيّة

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

نقاش بالصوت والصورة/ معادلة تل أبيب بيروت وانعكاساتها الكارثية على لبنان في حال لم تسرّع التسوية حلولها

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية