"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

من علم المعارضة السورية إلى كارثة الغواصة تيتان و شعار "إكس"... تنبؤات مسلسل "ذا سيمبسونز" بين المصادفة والتلفيق

نيوزاليست
الأحد، 20 أغسطس 2023

من علم المعارضة السورية إلى كارثة الغواصة تيتان و شعار "إكس"... تنبؤات مسلسل "ذا سيمبسونز" بين المصادفة والتلفيق

تبدو التنبؤات التي تُلصق بمسلسل عائلة سيمبسونز الأميركي، مبرراً مثالياً لعشاق نظرية المؤامرة حول العالم، ممن يعتقدون دوماً أنه لا شيء يحدث إلا وفق إرادة الدول الكبرى التي تتآمر على الشعوب الضعيفة لتسلبهم إرادتهم بطرق شتى، وأن كل قرار وأزمة أو حرب أو حدث مأسوي أو غريب بالأساس كان مخططاً له سلفاً بدقة.

بالتالي فالـ”سيت كوم الكارتوني” الشهير الذي تدور أحداثه حول عائلة أميركية بسيطة مجرد تدليل مختصر على صحة ظنونهم، إذ يسرب بين حين وآخر جانباً من تلك الخطط، التي لا تكشف عن نفسها بالطبع إلا بعد أن تتحقق على أرض الواقع.

إذاً ينتظر كثيرون وقوع أي حدث له طابع عالمي ومثير للجدل أو للرعب أو للدهشة، ثم يفتشون في كل حلقة وكل مشهد من المسلسل ذائع الصيت الذي يعد أحد أهم أركان الدراما الشعبية بالولايات المتحدة، وحينما لا يجدون ما يرضي أفكارهم المسبقة ذات الطابع الاتهامي على الفور يبتكرون من أنفسهم مشاهد معينة ويربطونها بالعمل ويفبركون أحداثاً توائم أحلامهم الكابوسية.

لكن الحقيقة أن هناك بعض التفاصيل التي منحتهم تلك الثقة، فلطالما حملت قصص المسلسل تشابهات مع الواقع السياسي والاجتماعي والفني وصفت بأنها تنبؤات من دون أدنى شك، مما فتح باباً لن يسد أمام جدل وتشكيك يتنامى مع الوقت.

سر “إكس”

ربما من يميلون لاعتناق الفكر التآمري يربطون بين تاريخ مات غرينينغ مبتكر العمل باعتباره كان “البنائين الأحرار” أو الماسونيين وهي الحركة التي لطالما نسبت لها شروراً كثيرة ومخططات غرائبية.

غرينينغ الذي منح شخصيات العمل أسماء أفراد أسرته هو كذلك مبدع “فيوتشوراما” وهو عمل كارتوني أميركي أيضاً يرتكز للخيال العلمي وتدور أحداثه في المستقبل عام 3000، ولا يزال يبث حتى اليوم بعد أن تعرض لتوقفات عدة، ويبدو كمسلسل مصاب بلعنة ذا سيمبسونز أو وفق تعبير أكثر رأفة يعيش تحت عباءته.

كما أنه مني أيضاً ببعض الترهلات الدرامية التي طالت مسلسل العائلة الصفراء، الذي كان يبث في أفضل الأوقات عبر شاشة “فوكس”، منذ عام 1989، وعلى مدى 34 عاماً تابع فيها الجمهور أكثر من 750 حلقة، وتخلل تلك الفترة فيلم سينمائي أيضاً عن العائلة حقق ما يزيد على النصف مليار دولار عام 2007، وبحسب القصة فالأب هومر شخصية مستهترة ومع ذلك يعمل في مفاعل نووي، والأم مارج ربة منزل، والابنة ليزا النباتية المهتمة بقضايا البيئة، وبارت الصبي المشاغب وماغي الرضيعة، إضافة إلى قطة وكلب، حيث يعيشون جميعاً في بلدة خيالية تدعى سبرينغفيلد، والأبطال بشكل عام بعيدون كل البعد عن المثالية، بل هم في معظم الأوقات نموذج سيئ.

وفي حين أنه جرت العادة أن أعمال الرسوم المتحركة في ذلك الوقت تقدم للصغار، إلا أن المسلسل يصنف على أنه للبالغين نظراً لحساسية الموضوعات التي يناقشها، ومن أحدث المواقف التي أثارت الجدل في شأن المسلسل هو تداول لقطات منه يظهر فيها بطله الأول هومر وهو يستخدم تطبيقاً على هاتفه يحمل شعاراً شبيهاً بشعار موقع “تويتر” بعد تغييره إلى “إكس” على يد الملياردير إيلون ماسك.

فتحت تلك المشاهد التي تعود لحلقة بثت عام 2012 باب المناقشات مجدداً حول عمل يصنف على أنه مجرد حكايات ترفيهية فيما آخرون يعتبرونه أنه ربما أعقد من ذلك بكثير، وفي حين أن الشعار المشار إليه في الحلقة يبدو شبيهاً فقط بعلامة “إكس” الجديدة التي اكتسبها الموقع قبل فترة قصيرة، فإنه أيضاً يمكن تشبيه بأشياء عديدة أخرى فهو على شكل دائرة بالمنتصف وحولها أربعة أضلع، بالتالي قد يشبهه البعض بالطائرات الورقية أو حتى المروحيات، ولكن لأنه متعلق بعائلة سيمبسونز وبالطبع يحلو للجمهور أن يحيلوه لأسطورة التنبؤ وعالم الماورائيات الغامض نظراً لتاريخه مع هذا النوع من الحكايات.

ربما تصيب هدفاً صحيحاً

المسلسل الشهير على مدى عقود، خاض وصال وجال في جميع مناحي الحياة تقريباً من الدين إلى السياسة والفنون والحروب والاكتشافات العلمية، وغيرها، وقد يكون هذا هو أحد مفاتيح فهم لعبة “التنجيم بالغيب” التي جعلته يكتسب لقب “نوستراداموس” المسلسلات نسبة إلى التنبؤات الشهيرة التي تعود لمنتصف القرن 16 وتتضمن وعودا ًبحروب وأزمات اقتصادية بعضها قيل إنه قريب من وقائع حدثت بالفعل.

وبالعودة إلى العمل الدرامي فحينما تتعرض حكاية ما لعشرات بل آلاف التفاصيل والمجالات، فمن غير المستبعد أن تصيب في بعض الأوقات فالحلقات تناولت تقريباً كل الموضوعات، إنه شيء يشبه عملية “التنشين”، أن يلقي أحدهم بشكل عشوائي عدداً ضخماً من الأسهم كي يزيد من فرص إصابته الهدف بالمصادفة البحتة، وهو التفسير الذي يتبناه أحد أبرز المشاركين في فريق الكتابة ألفريد جين، فيما مبدعه الأساسي مات غرينينغ يسخر دوماً من مبدأ التنبؤات ويعتبره جنونياً، لافتاً إلى أنه وزملاءه كانوا يذهبون بخيالهم بعيداً جداً لاختراع أحداث وتفاصيل مضحكة وسخيفة ومبالغاً بها لكن على ما يبدو فإن الواقع كان يفاجئهم بالمزايدة عليهم في هذا الصدد.

كذلك استبعد بيل أوكلي وهو أيضاً أحد المؤلفين فكرة التنبؤات تماماً، مشيراً إلى أن العمل كان ينتهج نهجاً محدداً وهو رسم سيناريوهات ساخرة وسوداوية لأسوأ الأوضاع التي قد تواجه الولايات المتحدة، ومن ضمن أبرز ما جاء في هذا الصدد هو تولي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة وفقاً لوجهة نظر الصناع، بالتالي كان من الطبيعي أن تشهد إحدى الحلقات ظهوره رئيساً ويحتفل مع مؤديه. ووصف بروكلي وصوله لهذا المنصب بـ”الحضيض”.

ترمب رئيساً في عالم الرسوم المتحركة أولاً

من أبرز النقاط التي يمكن أيضاً أن تسرد في هذا الشأن أن الأمر لم يكن خيالياً تماماً فحلقة ترمب عرضت عام 2000 أي قبل 16 عاماً من فوزه بمقعد الرئيس، ولكنها أيضاً جاءت بعد فترة ليست بالطويلة من انتشار أنباء عن اعتزامه الترشح للرئاسة في يوم من الأيام وحينها كان أيضاً شخصية شهيرة باعتباره رجل أعمال بارز وفاحش الثراء وكثير الجدل بتصريحاته وتصرفاته.

كذلك ظهور علم شبيه بعلم المعارضة السورية على سيارة مجموعة من الرجال الذين أشير إلى أنهم يعيشون في الشرق الأوسط في حلقة بثت عام 2001 أي قبيل نحو 10 سنوات من الانقسامات والمعارك التي شهدها هذا البلد العربي، لكن يمكن تفسير هذا الأمر ببساطة على أن ألوان مثل الأخضر والأسود والأبيض هي شائعة في الأعلام العربية وكذلك رموز النجوم فهي تتكرر في أعلام عدة دول بالشرق الأوسط ومن الطبيعي أن يتم الاستعانة بها في مشهد كهذا.

على نفس المنوال يمكن تفسير أمور أخرى بينها الحديث عن فيروس “إيبولا” وفيروس “إنفلونزا” يتحول إلى وباء يشبه كورونا ضمن حلقات عرضت في التسعينيات، خصوصاً أنه كانت هناك معلومات متداولة قبيل عشرات السنوات من هذا التاريخ عن أمراض مشابهة وبعضها كانت قد تمت تسميتها بالفعل، وأيضاً في ما يتعلق بظهور شخصية شبيهة بشخصية ناشطة البيئة والمناخ السويدية غريتا تونبرغ فالأمر أيضاً منطقي، فمن الطبيعي أن يهتم عمل كبير مثل هذا بالتأثيرات الوخيمة لنشطات الدول الصناعية على البيئة.

توقع أم تنبؤ؟

أيضاً إرهاصات ظهور الاتصال المرئي بتقنية الفيديو قبل سنوات طويلة من تحققه فعلياً، من السهل تفسيره بأن العمل على تلك التقنية كان معلناً منذ عقود طويلة، ومن العادي أن يستعرض مؤلفون على درجة عالية من الاطلاع مثل من تسند لهم كتابة “عائلة سيمبسونز” شيئاً كهذا، بخاصة أنهم مثقفون وفنانون ومتخصصون في العلوم والكمبيوتر والتقنيات وغيرها من المجالات التي تتيح لهم معرفة واسعة بالدراسات الحديثة وبالطبع يتابعون جديد العلم وأخبار السياسة والفن ومن السهل أن يكون لديهم رؤية مستقبلية منطقية تتبع تسلسل الأحداث.

وفيما يتعلق بالتقنيات فقد تكرر الأمر أيضاً في الساعة الذكية وظهور المصحح التلقائي والهواتف التي تعمل باللمس، وغيرها، فالأمر هنا أقرب إلى التوقعات… بالطبع السياسة كان لها الجانب الأكبر من الأحداث وأزماتها في الدراما هي الأكثر شيوعاً حتى لو قدمت بشكل ساخر فيميل صناعه عادة إلى النزعة الليبرالية في حين ينتقد بشكل صارخ الجانب المحافظ اليميني. ويرى عادة الجمهوريون أن هذا المسلسل فج وصارخ ويشوه صورة العائلة الأميركية حتى إن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش كان قد نبه لهذه النقطة.

مواقف غامضة

لكن الأمر في بعض الأوقات يبدو محيراً وغير مفهوم كلياً، وكأن صناع القرار يشاهدون المسلسل ثم يحاولون تنفيذ بنوده والسير على خطى أحداثه، وبينها الخطاب الذي ألقاه النجم السينمائي توم هانكس في حفل تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، إذ كان قد ظهر قبلها بـ14 عاماً فناناً شبيهاً به في حلقات العمل الكارتوني، حملت أيضاً المشاهد تلميحات وتصريحات غير مفسرة بينها ظهور شخصية شبيهة بكاميلا هاريس نائبة الرئيس، وكذلك الإشارة إلى ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة، وحصول الباحث الفنلندي بينغت أر هولمستروم على جائزة نوبل في الاقتصاد في إحدى الحلقات عام 2010 بينما واقعياً قد نالها بعد هذا التاريخ بست سنوات، وهي أحداث جعلت البعض يتهم مبدعي العمل بالشعوذة وأعمال الدجل ويعتبرونهم بمثابة عرافي العصر الحديث.

علاوة على ظهور ورقة عليها أرقام تشير بشكل ما إلى أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، والقبض على مسؤولين فاسدين في الفيفا، وأزمة التصويت في الانتخابات الأميركية وفوز باراك أوباما، ومن أكثر المشاهد إثارة للدهشة كانت استعراض خبر في حلقة عرضت عام 2012 يشير إلى عرض أوروبا دولة اليونان للبيع على موقع شهير، وبعدها بأشهر أعلن عن الأزمة الاقتصادية الضخمة في اليونان بعد تخلفها عن سداد ديونها لصندوق النقد الدولي.

المغردون اعتبروا أيضاً أن مشهد تعرض بطل العمل هومر لنقص الأوكسجين وهو على متن غواصة بحرية أثناء مشاركته في رحلة غرضها استكشاف كنوز قديمة في حلقة بثت عام 2006 بمثابة تنبؤ بكارثة الغواصة تيتان التي تابعها العالم قبل فترو في المحيط الأطلسي، حيث لقي من كانوا على متنها حتفهم بعد فقدان الاتصال بها وكانوا يهدفون لاستكشاف حطام تيتانيك.

وبسبب تكرار تلك المواقف أصبح من السهل تصديق أن أي حدث غير اعتيادي مرجعيته ستكون “عائلة سيمبسونز” بكل تأكيد وهذا ما فتح الباب أما عشرات التنبؤات المزيفة، وتلفيق الصور والفيديوهات وبينها حرب روسيا وأوكرانيا وتقدم المغرب بشكل غير مسبوق في مباريات كأس العالم بنسخته الأخيرة، وانفجار بيروت، وكذلك مقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض واندلاع التظاهرات، وحينها تم تداول صوراً تظهر شرطياً يقف فوق أحد الأشخاص ويحاكي تماماً أجواء المسلسل، ولكن تبين أن اللقطة تعود للفنان يوري بومو الذي اعتاد أن يعلق على الأحدث السياسية في العالم من طريق الرسم والاستعانة بشخصيات من الأعمال الكارتونية الشهيرة، فإذا كان العمل قد أصاب في استشراف المستقبل مرة فقد أخفق في المقابل مرات ومرات.

الهوس بتنبؤات المسلسل تجعل المؤمنين بها يتوقعون أن يكون قد تعرض لقائمة طويلة من الأحداث على رغم أنه لم يأت على ذكرها بالمرة، والحقيقة أن تلك المصادفات تحدث بصفة مستمرة في أعمال كثيرة ولكن بطريقة أقل وقد يكون السبب طبيعتها وأيضاً لقلة عدد حلقاتها ومحدودية موضوعاتها، وبينها مسلسل الرسوم المتحركة “Legends of the Chamberlain” الذي عرض في إحدى حلقاته عام 2017 مشهداً حزيناً للاعب كرة السلة الأميركي كوبي براينت، إذ كان ضحية انفجار طائرة، وبعد أربعة أعوام تقريباً فارق براينت الحياة في حادثة تحطم طائرة بالفعل مع ابنته، واللافت أن صناع المسلسل حذفوا المشهد في ما بعد احتراماً لأسرة الرياضي الراحل.

حميدة أبو هميلة (إندبندنت العربية)

المقال السابق
المجتمع يدفع الثمن غاليًا.. النزاع "المتفلّت" بين الأهل كارثة على "رجال الغد"!
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية