ثلاث سيدات عرضت “نيويورك تايمز” قصصهن يبحثن في العراق أو بلدان مجاورة عن ملاذات آمنة وأمل بانطلاقة جديدة
أسابيع تفصلنا عن الذكرى السنوية لمقتل مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) 2022، الصبية ذات الـ 22 سنة التي لقيت حتفها بين يدي شرطة الآداب في طهران بزعم مخالفتها قانون اللباس الصارم للنساء في إيران. يومها، نزلت الإي رانيات إلى الشوارع منددات بمقتل أميني وتسلط السلطات على أجساد النساء وحرياتهن، وهتفن “امرأة، حياة، حرية”، في إشارة واضحة إلى أن وراء هذه التظاهرات ما هو أبعد من الحجاب نفسه.
في الحقيقة، كان خروج المحتجات رفضاً لغطاء الرأس موجهاً ضد نظام شمولي لا ينفك يقمع الحريات بكافة أشكالها، ودليلاً قاطعاً على تململ الأجيال الجديدة في البلاد ورغبتها في حياة أفضل، فيما النظام مصرّ على أنه جاء ليبقى، ومهموم بالتسلح النووي والتوترات الدولية والإنفاق على جيوش حليفة في الخارج.
يومها، ضربت الحكومة الاحتجاجات بيد من حديد ورصاص ودماء، مودية بحياة المئات، وتفاقمت الأخطار التي تتهدد النساء خصوصاً. عليه، آثرت بعض الأمهات المخاطرة بحياتهن والهرب من إيران لتجنيب بناتهن مرارة العيش تحت سلطة نظام استبدادي. في ما يلي قصص ثلاث نساء عرضتها “نيويورك تايمز” في تقرير نشرته أخيراً.
دواء السعال لسبات عميق
“احرصا على أن تلازم طفلتكما الصمت أو اتركاها هنا”، قال أحد المهربين لأم وزوجها على مقربة من الحدود العراقية. تذكر سيما مرادبيغي أنها هرعت إلى صيدلية وابتاعت دواء للسعال كي تضمن أن تغط ابنتها في سبات عميق عندما تتناوله. وتحت جنح الليل، تتبعت الأسرة المهرب خارج إيران مقابل 10 ملايين توم ان إيراني، أي حوالى 230 دولاراً.
كانت مرادبيغي انضمت إلى الاحتجاجات ضد الحجاب، فتعرضت لوابل من طلقات معدنية صغيرة حطمت عظم كوعها اليمنى. حذر الأطباء من بتر ذراعها ما لم تخضع لجراحة يتعذر إجراؤها في إيران. عليه، خشيت مرادبيغي أن تكون إصابتها علامة ترشد الشرطة إليها، فقررت مغادرة البلاد.
تعيش هذه العائلة الآن في كردستان العراق في منزل قدمته لها “كومالا”، جماعة معارضة كردية إيرانية مسلحة، ساعدت نحو 70 امرأة إيرانية أخرى على الهرب منذ الاحتجاجات. بالنسبة إلى مرادبيغي، تحول المنفى إلى سباق مؤلم مع الزمن، وقد قاست وزوجها الأمرين خلال الأشهر الماضية علهما يصلان إلى بلد حيث يمكنها الخضوع للجراحة لأنها غير متوافرة في العراق أيضاً. ومع ذلك، تقول الأم: “يحلو لي أن أخسر ذراعي بدلاً من أن أترك ابنتي تكابد الكابوس الذي تفرضه حكومتي في البلاد”.
لم شمل
في الحقيقة، ليس هرب الأمهات من إيران وليد احتجاجات سبتمبر، إذ طالما خاطرت الإيرانيات بحياتهن بحثاً عن مستقبل أفضل لهن ولبناتهن خارج البلاد. نسيم فتحي واحدة منهن، وهي ناشطة مناهضة للحكومة من مدينة سنندج ذات الغالبية الكردية في شمال غربي إيران.
قالت إنها فرت إلى السليمانية قبل عام بعد استدعائها للمثول أمام المحكمة بسبب مشاركتها في تجمع سياسي. كان عليها الهرب من إيران، ولكنها أم عزباء لابنتين، تبلغان من العمر 21 و10 سنوات. في يوليو (تموز) 2022، تركتهما، وتسللت عبر الحدود بمساعدة أحد المهربين. “وعدتهما بأن نجد بعضنا البعض عندما تكون الأحوال آمنة”، قالت الأم في مقابلة هاتفية أجرتها معها “نيويورك تايمز”. ولكن بعد أسابيع من وصولها، بدأت التظاهرات في إيران، فاجتاحت نفسها شكوك بشأن لم شملها مع ابنيتها. ابنتها الكبرى، بريا غيساري، تأثرت بالاحتجاجات وانضمت إليها. ولكن عند اعتقال اثنتين من صديقاتها في أواخر سبتمبر، تدخلت والدتها من العراق. قالت غيساري: “طلبت مني أن أصطحب أختي ونعبر الحدود. نحن كل ما لديها في هذه الحياة.”
هكذا، استقلت غيساري وشقيقتها ديانا سيارة أجرة إلى الحدود العراقية، حيث أخبرت الحراس أنهما ذاهبتان لحضور حفل زفاف أحد أقاربها. في غضون ساعات، التم شمل العائلة. وفي المنفى، استبدلت الأم وابنتها الكبرى حجاب الرأس بتسريحة شعر قصيرة جداً، تنديداً بالنظام الذي أخرجهما من منزلهما، والتحقتا بالتدريب العسكري مع “كومالا”.
شعور قاتم
للأسف، انتهى المطاف بالنسبة إلى بعض الأمهات الإيرانيات بالانفصال عن بناتهن. واحدة من تلك النساء موزغان كيشافارز، ناشطة مناهضة للحكومة الإيرانية تح دثت عبر الهاتف من مكان خارج إيران لم ترغب في الكشف عنه، فقالت: “يلم بي شعور قاتم عندما أتخيل ابنتي ضحية الرعب نفسه الذي أجبرني على الهرب. ولكن تتعذر علي العودة إلى إيران.”
بدأت مشكلات كيشافارز في عام 2019 عندما شرعت في حملة لتوزيع الورود على النساء المحجبات منهن وغير المحجبات في محاولة لتوحيدهن. قالت إن قوات الأمن اقتحمت منزلها وضربتها أمام ابنتها، التي كانت في التاسعة من عمرها آنذاك، قبل نقلها إلى السجن. ثم رأت ابنتها نيكي في 2021، بعد حصولها على إذن من السجن بحجة التماثل للشفاء من إصابة في العمود الفقري تعرضت لها أثناء احتجازها.
ولكن في يوليو الماضي، اضطرت كيشافارز إلى الاختباء عندما اقتحمت الشرطة منزل والدها لمشاركتها في تظاهرة ضد إلزامية الحجاب. وعندما أخبرها أحد المحامين أنها ربما تواجه حكماً بالإعدام، هربت من إيران.
خشية تنصت قوات الأمن الإيرانية على هاتف نيكي، نادراً ما تتحدث كيشافارز مع ابنتها من المنفى، الذي يبدو أنه سيبقى قبلة أمهات كثيرات، لا سيما بعد انتشار مقاطع فيديو وتقارير عدة تشير إلى عودة دوريات “الأخلاق” إلى شوارع إيران، علماً أنه وتحت ضغط الشارع، زعمت السلطات الإيرانية في خضم احتجاجات مهسا أميني موافقتها على إلغاء “شرطة الأخلاق” مبدية استعدادها لمنا قشة مسألة الحجاب في البلاد.