يكاد الزواج بامرأتين في يوم واحد أن يصبح أمرا عاديا في الجزائر بعد إقدام شاب من شرق البلاد على عقد قرانه على فتاتين في تجربة لا تزال تصنع الحدث بين رافض لـ”كل ما من شأنه التعدي على ضوابط الدين وتقاليد المجتمع”، ومرحب تحت شعار “الحرية الشخصية”، لكن يبقى تكرار التصرف يطرح تساؤلات.
حادثة ثانية في أقل من 12 شهراً
ويبدو أن تجربة الشاب “رشيد” من مدينة “سكيكدة” بالجزائر الذي تزوج بفتاتين في يوم واحد، تحولت إلى مصدر إلهام شباب آخرين، على رغم الجدل الذي أثارته بسبب غرابتها عن المجتمع المحلي الذي لم يشهد حالات مماثلة، إذ تكررت الخطوة مع إقدام شاب آخر من مدينة “عنابة” على الزواج بامرأتين ونشره صور حفل زفافه ومقاطع فيديو ليلة “الدخلة”، الأمر الذي ألهب الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام، لا سيما أنه حمل عنوان “من أجل القضاء على العنوسة”.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى وجود 12 مليون امرأة دون زواج، وأكثر من خمسة ملايين عازب في الجزائر، وهي حصيلة تفاقم ظاهرة التأخر عن الزواج، وترى وزارة الصحة والسكان أن متوسط سن الزواج بات يتراوح بين 29 و30 سنة بالنسبة إلى النساء، ونحو 33.5 بالنسبة إلى الرجال، الأمر الذي أسهم في رفع نسبة العنوسة إلى الرقم المعلن، وهو خمسة في المئة.
مرحب ومنتقد… ونقاشات
التصرف أحدث انقساماً بين مرحب ومنتقد، وفتح نقاشات واسعة حول أسباب الظاهرة، حيث كتبت “حسيبة” في صفحتها على “تويتر”، “اذا استطاع أن يقنع امرأتين بالزواج في يوم واحد ستستدعيه الأمم المتحدة لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا”، ليرد عليها آخر باسم “جزائري قح”، “الأخت حسيبة ربما الزوجتان أقنعتاه بأن يتزوجهما معاً. نعيش عصراً انقلبت فيه الموازين. لم تعد الضرة مرة، والرجل يتزوج برجل، والمرأة تتزوج بامرأة، والشباب يتشبهون بالبنات، والبنات يتشبهن بالشباب”، بينما قال حساب “الحرة”، “يبدو أنها ستصبح عادة. زوجتان في يوم واحد”.
وأضاف آخر “على طريقة رشيد السكيكدي، شاب من ولاية عنابة يعقد قرانه على زوجتين في يوم واحد، يبدو أن الفكرة بدأت بالانتشار”، في حين أشارت “سليمة” إلى أن “الزواج بامرأتين في يوم واحد هو علاقة جنسية ثلاثية لا حلال فيها، لكن المجتمع يستحق النفاق الأبدي. أين الدولة من هذا العهر المقنن؟“. وأبرزت “ميساء”، “لم يفعل شيئاً محرماً حتى يقابل بهذه الضجة الكبيرة، كل واحد حر في حياته، يتزوج حتى بأربع في يوم واحد. ما دامت الفتاتان قبلتا فلا دخل للناس في هذا الأمر”.
رشيد يبارك للشاب العنابي
كما علق الشاب الجزائري “رشيد” الذي تزوج بامرأتين السنة الماضية، في منشور على حسابه في “تويتر”، “ألف مبروك للشاب العنابي الذي تزوج اليوم بزوجتين”.
وأضاف “ربي يوفقه ويرزقه الذرية الصالحة ويسهل لكل الشباب والشابات الزواج، ويوفق المتزوجين في الحفاظ والاهتمام بالزوجة الواحدة، وألف مبروك وتحية لكل معدد كذلك”.
وواصل “دعونا من التعليقات السلبية، من يستطيع التعدد مرحباً به، ومن يملك زوجة واحدة يهتم بها، ومن تملك زوجاً عليها أن تهتم به. قد تكون زوجة واحدة، وهي بمقدار ألف زوجة”.
تجاوز القيم
في السياق، ترى المستشارة القانونية والحقوقية آمال لعروسي أن “ما حدث أخيراً من زواج رجل بامرأتين في ليلة واحدة هو قمة التجاوز على قيم وكرامة وصورة المرأة الجزائرية الحرة الأبية التي أسهمت في بناء هذا الوطن يداً بيد مع الرجل”، مضيفة أنه “في هذه الظاهرة نرى التعامل مع المرأة كسلعة تباع بالكميات والعدد”.
وقالت لعروسي، “لا يهمني رضا وموافقة الزوجتين أو قبولهما لذلك، لأن من خلقت عبدة ستظن أن الحرية إثم وجريمة”.
وتواصل لعروسي أن “قانون الأسرة الجزائري في قضايا الزواج والطلاق والميراث والخطبة يستمد مواده من الشريعة الإسلامية، لهذا أجاز التعدد بشروط هرمها قبول الزوجة الأولى، وحتى إن رفضت فهناك تحايل قانوني لتسجيل العقد العرفي، وهذه قمة الرضوخ والعب ودية والتخلف للنساء”.
وشددت على أن “من يبرر الظاهرة الفاسدة أخلاقياً بأنها صحية للقضاء على العنوسة، فذلك مفهوم رجعي، ولقد باتت المرأة الجزائرية تقبل التعدد خشية فقدان مورد رزقها وخوفاً من كلام الناس وغيرها من التخوفات، وببساطة لأن كل الردع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني فوق رأسها”.
ترهات للاستهلاك الإعلامي
من جانبه، عبر الإعلامي نبيل سليماني عن اعتقاده أن “الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ترهات للاستهلاك الإعلامي وعلى فيسبوك وغيرهما ليس إلا”.
وأضاف “صحيح يعاني المجتمع عنوسة ضربت نسبة كبيرة من النساء اللاتي تعدين سن الزواج، لكن أن تتزوج بامرأتين في لحظة واحدة وتنشر ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الأمر بات مدعاة للاشمئزاز أكثر منه للضحك”، مشيراً إلى أنه “بعيداً من الجدل الذي صنعته قضية هذا الشاب وقبله شاب آخر يدعى رشيد، هناك خلل ما يعتري الحرية التي يعيشها الجزائريون عبر صفحات وحسابات مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لا يمكن أن نشهد هذا النوع من التصرفات التي لا فائدة منها سوى صناعة الجدل الخالي من الفائدة المجتمعية الكفيلة باحترام سلم القيم”.
وتابع سليماني “وصلت إليَّ رسائل بعد نشري صورة هذا العريس مع عروستيه من باب السخرية وفقط، رسائل تعيب عليَّ استهزائي ونكراني لهذا الفعل، ما يدل بأن مجتمعنا سهل عليك توجيهه، بخاصة عن طريق مثل هكذا قضايا، والأمر متروك بحسب اعتقادي للتوعية الدينية”، مستبعداً أن “يقضي الزواج بامرأتين في يوم واحد ونشر الصور في وسائل التواصل، على العنوسة، وهي ظاهرة تحتاج إلى تشخيص ودراسة وإعادة ترتيب البيت المجتمعي الذي كسرت أعمدته الأساسية خلال العقدين الماضيين على وجه الخصوص”.