يعاني لبنان من واقع صعب للغاية، فهو منهار ماليا واقتصاديا واجتماعيا، ومزنر بالدمار وغارق في الديون حتى أذنيه، ويحتاج الى مساعدات وهبات ودعم وقروض ميسرة هائلة!
وهذا الواقع الأليم يفترض أن يُملي على اللبنانيين خيارات دقيقة للشخصيات التي عليها أن تقود ورشة إعادة الإعمار والنهوض والتأهيل، بحيث تكون مؤهلة لتمثيل الحاجات الوطنية وتتمتع بنسبة عالية من الثقة.
ولكن ّ الطبقة السياسية اللبنانية، بدل أن تختار حملة المشاريع تلجأ الى حملة المليارديرات، فهي تنتقل في اختياراتها من ملياردير الى آخر!
وراهنًا مقابل طرح البعض للملياردير نجيب ميقاتي يتم طرح الملياردير فؤاد مخزومي. والرجلان يركزان ثروتهما وممتلكاتهما الفاخرة ووسائل ترفيهما خارج لبنان، وهما لا يشاركان اللبنانيين بشيء من همومهم العميقة، ولم يكن دخولهما الى الحياة السياسية من موقع حملة المشروع بل من موقع الحاجة الى السلطة.
ولم يعرف لا عن نجيب ميقاتي ولا عن فؤاد المخزومي تخصيص جزء من ثروتهما الهائلة لخدمة مشروع وطني جامع. غالبية الميزانيات التي يقتطعانها من ثروتهما تكون دائمًا في خدمة تحصين مواقعهما السياسية واستمالة صغار الناخبين وكبار المقررين، لا أكثر ولا أقل!
الطامة الكبرى في هذه النوعية من المسؤولين أنّها تقدم صورة مزعجة عن لبنان، ففي وقت تنتقل طائراتها الخاصة من مطار الى آخر، وتتنزه يخوتها بين مرسى وآخر، وتتوزع استثماراتها في الأسواق المالية العالمية، تجدها تعتلي المنابر الدولية والإقتصادية والمالية، لذرف دموع الإستعطاف لتوفير أموال الإعمار والدعم والمساعدة، فيما تتحوّل دعوتها الى الشعب لتحمّل التضحيات المطلوبة منه الى عنوان من عناوين السخرية!
إنّ دولة بواقع لبنان راهنا، لا يمكنها أن تقدم شخصيات مماثلة الى رئاسة الحكومة، لأنّها بحاجة الى نوعية مختلفة حيث تتقدم الكفاءة على ما عداها، والثراء المعنوي على الثراء المادي، وهذا التقاسم الصادق في مشاعر الحاجة مع غالبية الشعب.
لا يكفي أن يكون الملياردير نجيب ميقاتي “مرنًا” حتى يستمر في رئاسة الحكومة، فهو، منذ وصوله الى رئاسة الحكومة، بعد الإنهيار الإقتصادي، اكتفى بإدارة الأزمة، مظهرًا طاعة كاملة لأصحاب القوة، وساهم الى حد كبير، إنطلاقا من ذلك، في تعزيز سيطرة “حزب الله” على القرار السيادي، بحيث مكنه، من دون أي رادع، من إقحام البلاد في حرب طاحنة. لم يكن مطلوبا من ميقاتي، وهو حلّ مع حكومته في مقام رئيس الجمهورية، أن يمنع بالقوة توريط لبنان في الحرب، بل كان يمكنه، أقلّه، إطلاق موقف واضح، يظهر أنّ “حزب الله” في ما يقوم به يعرّض مصالح الدولة واللبنانيين للخطر، لكنّه لم يفعل، وكل ما وهبه للبنانيين، في لحظة جرأة نادرة كان قوله الشهير: هذه المرحلة ليست للكلام إنما للصمت والصبر والصلاة!
ولم يعرف عن “المعارض” الحالي فؤاد مخزومي، سوى أنه بذل الغالي والنفيس ليحتل موقعًا في السياسة اللبنانية. مشروعه الحقيقي هو تحقيق طموحه. لديه الثروة ويحتاج الى المنصب. دخل الحياة السياسية مؤيّدًا للرئيس السابق اميل لحود، وكان مدافعًا عن الوصاية السورية، ومن ثم عن سلاح “حزب الله”. لاحقًا، ومع تبدل الهوى الشعبي، بدأ يعيد صياغة شعاراته، من دون أن تظهر استثنائيته في شيء.
من حق ميقاتي ومخزومي أن يطمحا. لا ريب في ذلك، ولكن من حق اللبنانيين، أن يسألوا عمّا إذا كانا ملائمين للمرحلة المقبلة.
تخيّلوا مثلا أن يسأل مسؤول دولي معني بمساعدة لبنان ميقاتي ومخزومي عن الودائع التي خسراها من قيمة ثروتهما في المصارف اللبنانية، أو عن استعدادهما للسير بقوانين تضع ضريبة معتبرة على أصحاب الثروات، أو عن إحداث تغيير حاسم في قوانين الرسوم على الملكيات العقارية، أو عن منع القائم بخدمة عامة والمرتبطين به من القيام بأي عمل ربحي في أي دولة يعزز فيها حضوره، بسبب أدواره في السلطة، أو أن يكونا نموذجًا لسائر اللبنانيين بعدم قضاء إجازاتهما وعائلاتهما خارج لبنان.
إنّ قيادة لبنان في هذه المرحلة لا تحتاج أبدا الى أصحاب المليارات بل أصحاب الإرادات!